120

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

وعلى هذا النمط يمضي علماء الأحافير في تفسير هذه الطوالع، ومن تفسيراتهم ما هو قريب، ومنها ما هو بعيد معتسف؛ لارتباط الجناس اللفظي تارة بمدلول الفلك، وتارة بمدلول النسب والتاريخ.

وقد صنعوا مثل ذلك في دراسة طوالع بلعام كما جاءت في الإصحاح الثالث والعشرين وما بعده من سفر العدد، وقد اشتملت على تكرير عدد السبعة، وعلى اسم الثور والحمل والظبي والأسد، وعلى طوالع الأمم التي ليست من إسرائيل، وعارضوا المصطلحات الفلكية على أقوال الأنبياء الآخرين، وثبت على الأقل من هذه المعارضات أن معرفة الفلك كانت شائعة عند كتاب هذه الطوالع، سواء كتبت على أيام الأنبياء الذين نسبت إليهم، أو كتبت بعد أيامهم عندما تحقق بعض الطوالع، أو بدا أنه متحقق عما قريب.

فإذا صحت هذه التخريجات - كلها أو بعضها - فهذا موضوع من الموضوعات التي تطابقت فيها الأحافير وأخبار التواريخ الأثرية والتواريخ القديمة؛ إذ كانت هذه التواريخ مجمعة على معرفة الأنبياء الأوائل بالنجوم، وإن اختلفوا في المقصود بعلم النجوم.

وندع المبالغات من قبيل مفاخر يوسيفوس ودعواه أن إبراهيم هو الذي علم أحبار المصريين أسرار الكواكب وحساب الفلك، فليس الخبر كله في هذه المسألة خبر تواريخ وروايات؛ لأن العقل يفرض بغير حاجة إلى التواريخ والروايات أن يكون رؤساء القبائل المترحلة على علم بمواقع النجم، ومطالع الأفق، ومهاب الأنواء، وقد كان الأنبياء الأوائل رؤساء لقبائلهم لا تبرم هذه القبائل أمرا من الرحلة والإقامة إلا بمشورتهم وتوجيههم، ومقام الأنبياء في بابل حيث يرقب الناس الكواكب؛ لأنهم يعبدونها، ولأنهم يربطون بها مواسم الزرع والري خليق أن يشغلهم بها للمحاجة في شئون العبادة، وللنظر في شئون المعاش.

وقد جاء في القرآن الكريم أن إبراهيم كان ينظر في النجوم، وأن يوسف كان يعبر الرؤيا، وأن موسى كان يطلع على سحر الكهان، فمن موافقات الأحافير أنها تأتي بالسند المكتوب الذي يشرح لنا تفصيلات هذه الأخبار، ويكاد أن يعين لنا الوقت الذي كتبت فيه طوالع الأنبياء؛ لأن تقسيم بروج الفلك قد مر في أدوار متلاحقة من تاريخ بابل، بعضها محدود على وجه التقريب.

والحد الفاصل بين النبوة والكهانة في السلالة العبرية مرسوم أو كأنه مرسوم، فكان الأنبياء هم أول من تولى أمر الدين في أمم السلالة العربية، وكانوا يسوسون أمر الدنيا فيما تتطلبه الرئاسة، ومنه علم النجوم.

ثم افترق عمل النبي وعمل الكاهن، ووقع بينهما العداء أحيانا كما رأينا في غير هذا الفصل، فأصبحت الكهانة وظيفة تعارض النبوة في كثير من الأوقات، وهنا الفارق الأعظم بين النبوة والكهانة.

فالكهانة وظيفة، ولكن النبوة ليست بوظيفة، ولم يحدث قط أن أحدا عين نبيا لعمل النبوة كما حدث كثيرا تعيين الكهان لعمل الكهانة.

إن النبوة التي تنفصل من الكهانة خاصة لم تتكرر في غير السلالة العربية، فما من ديانة كبرى أو صغرى في أنحاء العالم إلا يستطيع المؤرخ أن يحيلها كلها من مبدأ التاريخ إلى عمل الكهان، وما من كهانة إلا وهي وظيفة قابلة للتعيين.

أما ديانات الأنبياء فلا وجود لها في غير السلالة العربية، والاختلاف بينها وبين الديانات الأخرى أن النبي لا يعنيه أحد، ولا ينبعث بأمر أحد، ولكنه ينبعث بباعث واحد من وحي ضميره ووحي خالقه، وقد يأتي ليصدم العبادات التي يقوم الكهان على شعائرها ومراسمها، وهم أنفسهم مرسومون معينون.

ناپیژندل شوی مخ