24

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

ولا شك أن ذلك كله هيّأ لذلك الغلام في صغره بيسر، ومن غير عناء لمقام أبيه، وقد مكث على رياسة الحديث نحوًا من أربع عشرة سنة، فاكتسب بذلك نفوذًا على الشيوخ فوق منزلته الشخصية التي هيأته لذلك المنصب، ومكانته العلمية التي مكنته منه، وهو الذي جاء من دمشق فارًا طريدًا من غارات التتار.

٢٤- ولقد كان مع دراسته للحديث يدرس علومًا أخرى، فدرس الرياضة وعنى بالعلوم العربية عناية خاصة، فدرسها كأنه يقصد إليها ليتخصص فيها، فحفظ المنثور والمنظوم، وأخبار العرب في القديم، وأيام ازدهار الدولة الإسلامية، وبرع في النحو براعة واضحة، حتى أنه ليتأمل كتاب سيبويه ويدرسه دراسة فاحصة ناقدة، فيخالف بعض ما فيه معتمدًا على ما درس في غيره، فلم يكن المتهجم عن غير بينة، المندفع في القول عن غير حجة وسلطان مبين.

ولقد كان مع هذا يدرس الفقه الحنبلي، ويتتبع سير ذلك المذهب الجليل، وأبوه في هذا الموقف نعم الموجه، فهو من شيوخ ذلك الفقه، كما هو من شيوخ الحديث، والبازرين فيه.

وفي وسط ذلك البحر الخضم من العلم كان ينزع إلى تعلم تفسير القرآن، ومراجعة الموسوعات التي كتبت فيه ويقرؤها بعقل فاحص، وفكر حر غير مقيد إلا بالأثر الصحيح، واللغة الصحيحة، والعقل الحاكم، والوجدان المستيقظ، والفكر الحكيم.

٢٥- كان يسير في هذا الدراسة وهو يافع تحت ظل أبيه العالم؛ فإذا كان ثمة ملازمة أجدته فهي ملازمة أبيه، وقديمًا قال أبو حنيفة في التوجيه العلمي عندما سئل عمن وجهه: ((كنت في معدن العلم والفقه، بجالست أهله، ولزمت فقيهًا من فقهائهم)). وقد تحققت تلك الملازمة لتقي الدين، فقد لازم أباه؛ ودارس العلماء ونهل من كل ينابيع العلم، وكان في دمشق معدن العلم فإن ذلك المصر كان ثاني اثنين آوى إليهما العلماء في المشرق والمغرب، وأول المصرين القاهرة، فإنه بعد أن اضطهد العلماء في بلاد الأندلس، وانقسمت طوائفها، وأخذ الأعداء يتلقفونها

23