23

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

وقد كان مختصاً بذلك من بين قرنائه وزملائه ، والولد سر أبيه ، فلا عجب إذا جاء ابن تيمية مختصاً بما اختص به أبوه ، وزاد ذاكرته قوة وإرهافا من بعد المواقف الجلى التى كانت تحتدم بالجدل بينه وبين مخالفيه من الفقهاء وعلماء الكلام والصوفية والشيعة وغيرهم .

٢٢- اتجه ذلك الغلام منذ صغره والعود أخضر إلى العلم ينهل من مناهله، ويأخذ من ينابيعه، ولم يعرف أنه اتجه إلى غير العلم فى صدر حياته ، ثم عدل عنه إليه ، ولم يكن من المعقول فرض ذلك، لأن أسرته كانت من الأسر التى انصرفت للعلم والخطابة والوعظ والتأليف فى الفروع وفى الأصول ، وقد رأيت بعض أخبار أجداده وأبيه فى هذا البحث ، وإن أباه كانت له منزلة خاصة ، فقد كان على مشيخة الحديث فى بعض مدارس دمشق ، فكان المنطق أن ينصرف إلى العلم منذ نشأته ، لأنه لا يتصور مثله ، فلم يكن أبوه تاجراً كوالد النعمان أبى حنيفة ، فكان ينصرف إلى الأسواق فى صدر حياته حتى يعدل عن الانصراف إليها . ويعكف على طلب العلم كما أشار عليه بذلك الشعبى إذ رآه فتى ألمعياً ذا عقل على ، وإن كان مع عكوفه على طلب العلم لم ينقطع عن التجارة والتجار كما بينا فى كتابه.

٢٣- وإذا كان أبو تقى الدين له رياسة فى مشيخة الحديث، فلا بد أن يتجه ابنه أول ما يتجه بعد حفظ القرآن إلى حفظ الحديث وروايته، وتلقيه عن رجاله . وسماع الكتب على المشايخ الكبار ، وسماع الدواوين الكبار ، كمسند الإمام أحمد، وصحيح البخارى ، ومسلم ، وجامع الترمذى ، وسنن أبى داوود السجستانى والنسائى وابن ماجة ، والدار قطنى، سمع كلا منها مرات عدة، وأول كتاب حفظه فى الحديث الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدى (١) كما قال بعض معاصريه ، ولقد قالوا: ((وإن شيوخه الذين سمع منهم، أكثر من مائتى شيخ ، وسمع مسند الإمام أحمد مرات(٢))).

(١) راجع فى هذا كتاب الكواكب الدرية فى ضمن مجموعة عن ابن تيمية وخلافه مع غيره من الفقهاء ص ١٣٩ . (٢) راجع الكتاب المد كور .

22