198

جاء في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، فلما ذهب إليه قال له الرسول

صلى الله عليه وسلم : «يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.»

على أنه لا بأس في الشفاعة قبل أن يصل الأمر إلى السلطان أو من له القضاء، وإلا كانت حراما وإثما كبيرا، وفي هذا روى الإمام مالك في كتابه «الموطأ» أن جماعة أمسكوا لصا ليرفعوه إلى عثمان رضي الله عنه، فتلقاهم الزبير فشفع فيه فقالوا: إذا رفع إلى عثمان فاشفع فيه عنده، فقال: إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع؛ يعني الذي يقبل الشفاعة.

19

ومن أحكام هذا القسم أيضا، أنه لا يقبل تنازل المجني عليه إذا وصل إلى ولي الأمر أو القاضي، فيجب إقامة الحد رغم تنازله؛ ولهذا يذكر ابن تيمية بعد ذلك أن صفوان بن أمية كان نائما على رداء له في مسجد الرسول

صلى الله عليه وسلم ، فجاء لص فسرقه، فأخذه به النبي فأمر بقطع يده، فقال صفوان: «أعلى ردائي تقطع يده؟ أنا أهبه له»، فقال الرسول: «فهلا قبل أن تأتيني به!» ثم قطع يده.

يعني

صلى الله عليه وسلم - كما يذكر ابن تيمية - أنك لو عفوت عنه قبل أن تأتيني به لكان، فأما بعد أن رفع إلي فلا يجوز تعطيل الحد لا بعفو ولا بشفاعة ولا بهبة ولا بغير ذلك.

وهذا حق بلا ريب، وبه يصان المجتمع عن كثير من الشرور والآفات، فإن كثيرا من أمور الناس والمجتمعات يرجع إلى تعطيل إقامة حدود الله وحقوقه بسبب الجاه أو ما يبذل من مال، أو الشفاعة التي لا تحل يتقدم بها بعض الناس.

القسم الثاني وأحكامه

ناپیژندل شوی مخ