وبعبارة أخرى، يكون المعنى أن من اشترط أمرا ليس في حكم الله أو في كتابه بواسطة أو بغير واسطة فهو باطل؛ لأنه لا بد أن يكون المشروط مما يباح فعله بدون الشرط حتى يصح اشتراطه، وحينئذ يكون بالشرط واجبا ويلزم الوفاء به.
وأيضا، فإن الشرط الذي دل الإجماع أو القياس على صحته، وإن لم يرد نصا في الكتاب والسنة، يكون قد دل عليه بأحدهما بواسطة؛ لأن الإجماع والقياس لا بد أن يكون لهما سند من كتاب الله أو سنة رسوله. (د)
وبعد ذلك، فإن الأصل في العقود، وما يكون فيها من الشروط هو رضا كل من المتعاقدين بما يوجبه على نفسه بالتعاقد؛ لأن الله يقول في كتابه (سورة النساء الآية رقم 29):
يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .
وإذا كان الله لم يشترط في صحة التجارة (ومعناها كل عقود المعاملات) إلا التراضي، فإن هذا يقتضي صحة ما يتراضى المتعاقدان من عقود وشروط بدلالة القرآن نفسه، إلا أن يكون في ذلك ما حرمه الله فإنه يكون باطلا كالتجارة في الخمر ونحو ذلك.
هذا، ونختم هذا البحث الفقهي الدقيق المقارن للشيخ رحمة الله في هذه المسألة الهامة، مسألة العقود والشروط، بكلمة موجزة محكمة له في وجوب رعاية مقاصد المتعاقدين ما دام ليس فيها ما يخالف الكتاب والسنة، وذلك إذ يقول: «ومقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود، وكانت من الصلاح الذي هو المقصود، لم تذهب عفوا ولم تهدر رأسا، كالآجال في الأعواض، ونقود الأثمان المعينة ببعض البلدان، والصفات في المبيعات، والحرفة المشروطة في أحد الزوجين، وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الإطلاق، بل ما يخالف الإطلاق.»
23
وفي رأينا أن الحنابلة ومن نحا نحوهم، وبخاصة الإمام ابن تيمية، كانوا موفقين فيما ذهبوا إليه في هذا الموضوع الذي تقوم عليه المعاملات بين الناس، فإن في الرأي الذي قصره ابن تيمية توسيعا كبيرا على الناس، وهو مع هذا يستند إلى أدلة صحيحة تجعله الأحق بالاتباع.
الباب الثاني
في التفسير
ناپیژندل شوی مخ