138

50

المسألة الثانية:

هذه هي المصالح المرسلة كما حققها الفقهاء الأثبات، فكيف وقف الشيخ ابن تيمية منها، ولم يبين من كلامه التردد في القول بها؟ نجد الإجابة من هذا وذاك فيما كتبه فيها، فلنرجع إليه،

51

كما نجد إشارات إلى ذلك في كثير من رسائله ومؤلفاته الأخرى.

إنه يعرف المصالح المرسلة فيذكر أن الطريق السابع من طرق الأحكام الشرعية هي المصالح المرسلة، وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة وليس في الشرع ما ينفيه، فهذه الطريق فيها خلاف مشهور، فالفقهاء يسمونها المصالح المرسلة، ومنهم من يسميها الرأي، وبعضهم يقرب إليها الاستحسان.

ثم ينتقل إلى نقد من يضيقون مجالها، فيقول: «لكن بعض الناس يخص المصالح المرسلة بحفظ النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان، وليس كذلك، بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي رفع المضار، وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين.»

ومجال المصالح المرسلة عنده واسع يشمل أمور الدنيا والدين، ما دام مناطها تحصيل المنافع ودفع المفاسد، وآية ذلك بقسميه قوله: «وجلب المنفعة يكون في الدنيا وفي الدين، ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال التي يقال فيها مصلحة للخلق من غير حظر شرعي، وفي الدين ككثير من المعارف والأحوال والعبادات والزهادات التي يقال فيها مصلحة للإنسان من غير منع شرعي، فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم، فقد قصر.»

هذا، وقد عرفنا من دراستنا لعصر ابن تيمية أنه كان زاخرا بكثير من المتصوفة وأرباب المقالات المتعددة في الإسلام، فربما كان من أعمالهم ما لم يأذن به الله ورسوله ولكنهم مع هذا يرونها أعمالا طيبة تحقق منافع وتدفع مضار كثيرة. كما كان فيه من الأمراء والسلاطين والملوك من جنحوا إلى أعمال زينها لهم بعض من يحيطون بهم، زاعمين أنها كذلك تحقق منافع وتدفع أضرارا، وهؤلاء وأولئك قد يصدق عليهم كثيرا قوله تعالى:

أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا !

ناپیژندل شوی مخ