Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
الطريق، وأقام عليهم الحجة، فيعتنق الناس رأيه، وقد خبروه، وعلموه شابًا والآن وهو يذرف على الستين لابد أن يكون أمضى بيانًا، وأقوى جنانًا، وأعرف بمواضع الرد التي تصيب مفاصل القول.
ولقد انعقد مجلس بدار الحكم بحضرة نائب السلطنة حضره القضاة والفقهاء والمفتون من المذاهب الأربعة، وحضر الشيخ وعاتبوه للمرة الثالثة على العود إلى الإفتاء، وكانوا حريصين على عتابه دون جداله، لأنهم يعلمون مقامه في المناظرة ومقامه من العلم والدين الذي يمنعه من أن يفتى من غير بينة وحجة قائمة. ولما تكرر العتب والرجاء والمنع من غير أن يمتنع قرروا حبسه في القلعة، حبس بأمر نائب السلطنة، واستمر محبوسًا خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا تبتدئ من يوم ٢٢ من رجب سنة ٧٢٠.
وكان الإفراج عنه بأمر السلطان جاء في اليوم العاشر من محرم سنة ٧٢١.
عودته إلى درسه
٩٠- عاد الشيخ إلى درسه حرًا طليقًا، طليقًا في جسمه وعقله وفكره وإفتائه، فإن ذلك الإطلاق من السجن كان إيذانًا بالحرية في الفتوى، ويظهر أنهم يئسوا من رجوعه عن ذلك الرأي الذي اختاره، فأخذ يفتي في هذه المسألة وغيرها من المسائل المتعلقة بالطلاق، وبتكرار ذلك ألفوا منه ما يفتي به، وسواء أقبلوه أم رفضوه فقد سكتوا طائعين أو مكرهين، راضين أو ساخطين.
واستمر الشيخ في دروسه، وبحوثه، وتصنيفاته، يكتب، ويصنف ويختار ويجتهد، وكان له في ذلك اختيارات قيمة هي التي أظهرته فقيهًا مجتهدًا له شخصية فقهية بين الفقهاء المجتهدين، ذوي الرأي الفقهي المستقل.
وفي الحق إن هذا العهد الذي يبتدئ من سنة ٧١٢ هو العهد الذي أنتج فيه ابن تيمية تلك الآراء الفقهية التي استقل بها، وقبل ذلك كان إنتاجه في مسائل الاعتقاد، ومناقشة المخالفين لآرائه ومناهجه كما نوهنا.
82