Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
٨٨- عاد الشيخ إذن إلى الإفتاء، وترامى إلى السلطان خبر عودة الشيخ. وإن السلطان الناصر هو صديق ابن تيمية الذي لم يرتض أن يبقى في الحبس يوماً بعد عودته إلى الديار المصرية، ولكن للملك صولة، والملوك يقبلون كل شيء إلا أن ترد أوامرهم، وإذا كان السلطان قد يرتضي من ابن تيمية ما لا يرضاه من غيره. فهو لا يرضى أن ترد أوامره، وخصوصاً أنه أصدرها جهراً من غير إخفاء، ونودي على الملأ ليعلم الناس، وإن أغضى السلطان عن مخالفة الشيخ لمنزلته، ومقامه عنده، يكون كمن يغضى العين على قذى، ولا بد أن يوجد من ينبهه، ويكبر الأمر عليه.
ولهذا لما علم أن ابن تيمية عاد إلى الإفتاء أرسل كتاباً في التاسع عشر من رمضان سنة ٧١٩ وفيه فصل خاص بالشيخ يؤكد المنع، وقد أحضر رضي الله عنه وعوتب في ذلك، وكان ذلك في مجلس جمع من القضاء والفقهاء. وقد أكدوا عليه المنع، وانفصل المجلس على ذلك التأكيد من غير أن يعطي الشيخ على نفسه عهداً بامتناع، ولذلك استمر الشيخ رضي الله عنه على الإفتاء في مسائل الطلاق غير متحرج ولا متأثم، ولا خائف من حكام، لأنه ما تعود أن يمتنع عن القول مخافة من الحكام. إنه العالم الجليل الجريء الذي لا يخشى في الله لومة لائم وما بينه وبين النطق بالحق إلا أن يتثبت فيه، فإن تثبت نطق بالحق، غير عابئ بعقاب الحاكمين، ولا عتب العاتبين.
المحنة الثالثة
٨٩- علم السلطان أن ابن تيمية عاد إلى الإفتاء بعد تكرار المنع، وتكرار الرجاء، وتكرار العتب، وإن أغضى السلطان فإن القائمين بأمر الدين معه من القضاة والفقهاء والمفتين لا يغضون، وهم يرون فيما يفتي به الشيخ القول المخالف لما عليه إجماع الأئمة الأربعة، بل لعلهم يرون فيه ضلالاً مبيناً، وما يمنعهم من المجاهرة بذلك إلا مكان الشيخ وعلمه وفضله، ولأنهم إن جادلوه أخذ عليهم
81