Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
الناس علماً برأيه وفكره وطرائق قوله رضى الله عنهم جميعاً.
٦٦- كانت المناقشة مع أخويه، وهو رابض في محبسه لا يريم، ولا يخرج إلى المناقشة إن دعي إليها، لأنه لا يناقش حيث الإرهاب، وفي مجالس لا يرى فيها كرامته مصونة، وهو الحر الكريم، ولأنه منع من القول في حضرة أولئك القضاة والفقهاء فلم ينتصر، ولأنه رأى أولئك المناقشين ليسوا طلاب حق تقنعهم الحجة الواضحة، بل هم متعصبون، لا تزيدهم الحجة إلا شدة وحدة، وهم المتحكمون في أمره، وقولهم لا مرد له أو على الأقل لا يجد من يكفهم.
استمرت الحال كذلك إلى أن جاء أمير عربي اسمه عيسى بن مهنا. كان يقدر الشيخ ويعرف فضله، لأنه شامي، وذهب إلى السجن بعد استئذان أولي الأمر وأقسم على الشيخ ليخرجن، وليذهبن إلى دار نائب السلطنة (سلار) خرج الشيخ من السجن في ٢٣ من ربيع الأول سنة ٧٠٧ بعد أن مكث في السجن نحو ثمانية عشر شهراً، كان فيها كالمهند المغمود في غمده.
خرج إلى دار نائب السلطنة، وأرسل إلى الشيوخ ليناقشوه عزيزاً مكرماً غير ممنوع من قول، وغير مهدد بحكم، وما اجتمعوا للمناظرة إلا بعد أن قر الشيخ واطمأن فما كانت المناظرة الحقيقية إلا بعد يومين من خروج الشيخ رضى الله عنه وقبلها كانت بحوث صغيرة، حضر الفقهاء ليجادلوه، وامتنع القضاة عن الحضور، لأنهم لا يريدون أن يجادلوه، بل يريدون أن يحكموا في أمره، وكأنها قضية خصومة تنظر، وجهلوا أنه دين يقرر بالبينات من السنة والكتاب، وليس لأحد سلطان فيه إلا بمقدار ما يؤيد قوله من كتاب وسنة وعقل محص، وقد تناقشوا وبهرهم الشيخ ببيانه وحجته، وبلاغ أدلته، وروحه الديني المستقيم.
اعتذر القضاة عن الحضور بأعذار، بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره، ويقول ابن كثير إن لهم عذراً آخر، وهو معرفتهم بما عليه ابن تيمية من العلوم، وما عنده من أدلة، وأنهم لا يطيقون مغالبته بالأدلة، ومهما يكن مطوى هذه الأعذار فقد قبلها نائب السلطنة، ولم يكلفهم ما لا يطيقون.
60