62

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

درس الشيخ بمصر

٦٧- أصبح الشيخ طليقاً، فقد فتح له باب السجن عربي حر، فقبل الشيخ الحرية من حر مثله، ولم يقبلها من الذين كبلوا أنفسهم وفكرهم بقيود حبستهم عن إدراك الشريعة على وجهها الصحيح؛ وبعد هذه الحرية التي سر لها أهل الشام، وتناشد بعض شعرائه الشعر سروراً بها وارتياحاً لها؛ كان أمام الشيخ إما أن يرجع إلى الشام موطن كرامته وعزته، وأهله هم الذين شاركهم في سرائهم وضرائهم، وأما أن يبقى في القاهرة فيبث تعاليمه التي حيل بينه وبينها السجن، والتي كان يرجو بنشرها بين الناس مصالح كثيرة.

وقد اختار حسام الدين بن مهنا عيسى الذي فك أساره برضا نائب السلطنة أن يعود معه إلى دمشق إيثاراً للعافية، ليتمم ما بدأ بها؛ واختار البقاء في مصر نائب السلطنة؛ ليرى الناس فضله وعلمه، وينتفعوا به، ويتخرجوا عليه، كما كان أهل الشام.

ولعل ذلك الأمر الثاني صادف رغبة الشيخ، فإنه يريد النفع، وبث تفكيره، وهو قد اختار من قبل أن يكون مكان المناقشة في مصر لأنه يرجو مصالح كثيرة. وأي مصلحة يرجوها ذلك العالم الجليل غير هداية الناس وإرشادهم، ولكن الأفكار في مصر لم تكن مهيأة لقبول كلامه صلاحيتها في الشام، لأن بلاءه معهم ومشاركته لهم في السراء والضراء، وكونه كان مطمأنهم الذي يطمئنون إليه، كل هذا هيأ الأفكار لقبول دعوته، وتلقي هدايته، أما أهل مصر فهم الذين لم يعرفوا مواهب الشيخ ولم يختبروها، وقد سبق الشيوخ إليهم بذكره بغير ما يهيء العقول لتلقي قوله بالقبول، ولذلك لم يتلقوا قوله بالسهولة التي تلقاها أهل الشام، وخصوصاً أن الشيوخ يتربصون به، ويرصدون له المراصد.

ولكن الشيخ تقدم جريئاً كعادته، داعياً هادياً مرشداً، ولم يكن له مكان خاص يلقي فيه دروسه بانتظام، كما كان الشأن في الشام، بل كانت دروسه منثورة

61