إن حبيبي
هو الذي يعرف دائي.
قلت: هل أنت شاعر؟ قلت: تمنيت أن أكون. سألت: وهذه القصيدة؟ قلت: لشاعر قديم. قلت: وما اسمها؟ قلت: مريض بالحب. قلت هازئة: مثلك؟ قلت: نعم ولكن مرضي اسمه الكآبة. ضحكت وقلت: ولكنك تضحكني. قلت: هذا دليل على أنني حزين ! قلت: لم تقل لي اسم الشاعر. قلت: هو شاعر مجهول. ضحكت وقلت: مثلك؟ قرصت خدك وقلت: ألم تعرفيني بعد؟ سألت: وأنت هل عرفتني؟ تأملت عينيك. لمست بهما شعرك الأسود المنسدل على وجهك. قبلت بهما وجهك الطفلي المستدير. قلت في نفسي: من يدريني أن هذا كله ليس حلما؟!
لكنك كنت هناك يا حبيبتي. وكنت أنا أيضا هناك. والأراجيح التي تدور في الهواء، وصياح الساحر العجيب، والقيء في المكان البعيد البعيد وراء السلك الشائك، ورأسي الدافئ المحموم وأحشائي التي تمزقها السكاكين، والبنت التي تستند على اللوحة وتخطئها السكاكين، والزحام الذي نغوص فيه ونتشبث ببعضنا ونضل ونلتقي ونتوه. واسمك الذي لا أعرفه، واسمي الذي لا تعرفينه، وحكايتك عن المشغل الذي تعملين فيه بعد الظهر، والأرشيف الذي قلت لك إنني أعمل فيه. وسؤالك ضاحكة ما معنى الأرشيف، ومحاولتي أن أشرح لك الملفات والمحفوظات والمكاتبات والأذونات، والترام الذي لا نجد فيه مكانا في الصباح، والمتعة التي لم نتمتعها في المساء، وقولي لك إنني مريض وأن العالم ينهار، وقولك إنك بجانبي والعالم لن ينهار. وأحلامك الصغيرة عن عش نسكن فيه، وقولي يجب أولا أن نوفر ثمن الخلو. والزحام مشتد والناس يتصايحون. واسمك تكتمينه عني يا حبيبتي، واسمي أكتمه عنك. أقول لك: ما قيمة الأسماء؟ ما قيمة الأسماء؟ وتقولين: يكفي أننا عرفنا بعضنا. ونمضي متشابكين يا حبيبتي، ونمضي متساندين. يدك الدافئة على رأسي المحموم. ذراعك في ذراعي. القبلة التي اشتهيتها لم تنطبع على فمك. الكلمة التي صرخت بها لم تسمعيها. والزحام يشتد يا حبيبتي والناس يتصايحون. دعينا منهم. ما شأننا بهم. نريد أن نكون وحدنا. لكننا لا نستطيع يا حبيبتي، لا نستطيع؛ فالزحام يشتد. والناس يتدافعون. ماذا حدث يا ترى؟ ماذا حدث؟ هل شبت نار؟ هل أفلت القاتل؟ هل توقفت الطاحونة؟ هل سقط الإنسان؟ ماذا حدث يا حبيبتي؟ ماذا يمكن أن يحدث؟ الأمواج تتدافع، نحن نحاول أن نتماسك. أجراس الإسعاف من بعيد. صفارات العساكر تدوي. هل طلعت الشمس في منتصف الليل؟ هل بصق القمر على الناس في عز النهار؟ الأمواج تتدافع. أيدينا تفترق. الأمواج تغرقنا، تدوس علينا. أيدينا تتشابك، ثم تفترق، ثم نبحث عن بعضها. الصراخ والصياح سكاكين تخرق آذاننا. نحن ننادي ولكن من الذي يسمعنا؟ من يصدقنا؟ لو كنت أعرف اسمك؟ لو كنت تعرفين؟ لكني سقطت يا حبيب. تحت سنابك الخيل سقطت. التتار مزقوا لحمي. كسروا عظامي. باعوها للكلاب. وعندما تذهب الحمى تكون أنت أيضا قد ذهبت. وعندما تنطفئ الصواريخ يكون المهرجان قد انفض، والخيام خربت، والساحر الشرير ارتبك، والبنت الشاحبة الوجه قد خرقت عينيها السكاكين.
وعندما يجيء كل عام، أروح أبحث عنك في المهرجان؛ لأنني في المهرجان وجدتك، وفي المهرجان فقدتك.
يا أيها الحبيب.
1964م
ناپیژندل شوی مخ