أما أنا فتضاحكت. وربت على كتفها، وهمست في أذنها: لقد وجدت العريس!
فاختلج جسدها. لا بد أنها صدقتني؛ فقد بدأت تطمئن إلي وإلا لما راحت تسألني من يكون؟ وما لون شعره؟ وعينيه؟ وما شكل وجهه؟ وماذا يعمل؟ ومتى يأتي؟ أما أنا فتصنعت الجد. كنت أتحدث بصوت غليظ كصوت الرجال، وأعقد ما بين حاجبي وأتكلف لهجة السادة الأغنياء. قلت لها: سآتي به اليوم، وما عليك إلا أن تصنعي الحناء، وتصبغي يديك وقدميك، وتستعدي لليلة الزفاف.
ولم أخلف وعدي؛ فقد أصبحت حياة المرأة في يدي تجربة أريد أن أعرف نتيجتها. وماذا كان يمكن أن يحدث من صبي مثلي يحب المخاطرة ويريد أن يجرب كل شيء، حتى المصير؟!
وطرت إلى حقل أبي. هنالك كان عدد من الأجراء الذين يفدون على القرى في موسم القطن، ويجمعون الدودة. كنا نسميهم «البشالوة»، وكنا إذا رأينا جماعتهم تجوب شوارع قريتنا بحثا عن الطعام أو المأوى نجري وراءهم هاتفين: الخمسة بقرش! ولم يكن أيسر على الواحد منا أن ينفح «بشلاويا» بأجر يزيد على أجره اليومي حتى يمثل الدور الذي يطلبه منه خير تمثيل . كان اسمه سيد ووعدته بعشرة قروش؛ أعطيته نصفها على الفور وقلت له: ابسط يا عم، ستصبح عريسا! سألني وهو يفتح فمه ويحك رأسه الصلعاء بيديه: عريسا؟! قلت: نعم. لليلة واحدة!
وشددته من يديه وسرنا معا إلى بيتنا في القرية وأنا أقفز من الفرح كأنني كسبت كسبا كبيرا. وفتحت لي أمي الباب، وسألتني مدهوشة عن الشاب الغريب الذي جلبته معي. فقلت لها وأنا أبعدها بيدي: إنه عريس أحضرته معي! وضحكت أمي كثيرا كما لم تضحك في حياتها أبدا حين أخبرتها بقصة ذلك الزواج؛ وضربت كفا بكف وهي تعجب لشقاوتي التي لم يرزق بها أحد من خلق الله، ولكنها قالت - كما لو كانت ترى المستقبل بقلبها: ولكني أخشى على أم الخير من هذا الزواج؟!
وجذبت العريس من يده فسار ورائي وطلعنا إلى السطوح حيث تسكن أم الخير في حجرة كنا نحبس فيها الدجاج والبط. وناديت بأعلى صوتي فخرجت أم الخير، بعد أن أطلت علينا من وراء الباب ورفعت ستارة بيضاء لا أدري من أين أتت بها، ولا كيف ثبتتها على باب حجرتها المتداعية. قلت لها وأنا أرفع من صوتي وألوح بيدي في الهواء: ها هو العريس! هه! لا تنظري إليه هكذا!
وحاولت المرأة أن تحجب وجهها بطرف جلبابها، وأطرقت برأسها فاقتربت وجذبت «سيد» من كتفه وقلت لها: ولكني لن أترككما الآن وحدكما. سوف يحضر إليك في الليل، بعد أن ينام كل من في البيت. أليس كذلك يا سيد؟ قل لها أن تستعد لليلة الزفاف!
ثم تركناها والفرحة تكاد تطفر من عينيها. أما سيد «البشلاوي» فكان أسرع مني وهو يهبط على السلم، ويتلفت وراءه بين الحين والحين كأنه أفلت من فخ محكم. ولما خرجنا إلى الشارع قال لي: أين أجرتي يا عم؟ فأخرجت له من جيبي خمسة قروش كنت قد اقتصدتها مع الجهد.
وفي صبيحة اليوم التالي سمعت أمي تنادي أم الخير. وأيقظتني وقالت لي: انظر ما حدث لها اليوم. لم تصح مع الفجر كعادتها اصعد إليها ونادها.
وطلعت إليها وبي شوق إلى معرفة ما حل بها، لا شك أنها ستكون غاضبة إذ تبينت كذبي. وناديت عليها. رفعت من صوتي فلم يجبني أحد. ورحت أدق الباب بعنف حتى سمعتها تتحرك نحو الباب. قلت لها بعد أن أطلت من وراء الستارة المضحكة: هه؟ ألم تستيقظي بعد؟ ثم أردفت في لهجة ماكرة: ألم يصح زوجك؟
ناپیژندل شوی مخ