وسمعتها تنشج وهي تقول: إذن فلست فيلهلم؟
قلت وأنا أهز رأسي: لا والله! اسمي محمود.
صاحت غاضبة: محمود! أنا لا أعرف أحدا بهذا الاسم.
قلت: يا مدام أنا الساكن الجديد. حضرت اليوم، واستأجرت الحجرة التي لديك، ودفعت لك خمسين ماركا.
قالت: أنا لا أذكر شيئا. ليس عندي سكان.
تصورت حالي إذ قدر لي أن أقضي الليلة أمام الباب في البرد والثلج والظلام فهتفت: يا مدام أنا حضرت اليوم بالنهار الساعة الثانية عشرة. معي حقيبتان، واحدة صغيرة والأخرى كبيرة. سألتني عن اسمي وبلدي وكتبته على ورقة صفراء، قطعت نصفها وكتبت لي عليه عنوان البيت، رقم 25 أليس كذلك؟! - أنا لا أذكر شيئا. ومن أي بلد تقول؟ - من إيجبتن. - آه إيجبتن! - تمام يا مدام! - في سيبريا، أليس كذلك؟ - سيبريا؟ لا يا مدام، سيبريا بعيدة جدا. - وأين إيجبتن إذن؟
ووقفت أصور لها خريطة الدنيا في الهواء، أشير بذراعي يمينا ويسارا إلى أعلى وإلى أسفل، وأحدد لها موقع النيل ينحدر من جبال الحبشة إلى البحر الأبيض، الصحراء على جانبيه من الشرق والغرب. كان البرد يلفح جلدي ويخترق عظامي، وأنا أشير كالبهلوان في كل اتجاه، أنحني وأقف وأمد ذراعي في الهواء والثلج يتساقط على رأسي، ويشتد شيئا فشيئا حتى يصير عاصفة رهيبة.
ها أنا ذا في هذا البلد الغريب، في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أقف أمام باب لا يريد أن يفتح لي. وأشرح درسا في الجغرافيا لامرأة ضاعت منها الذاكرة!
قالت المدام بعد أن فرغت من شرحي: كل ما قلته يؤكد لي أن «إيجبتن» في سيبريا! - سيبريا؟! - نعم، نعم. ابني فيلهلم. فيلهلم ابني الوحيد. لا بد أنك رأيته. ألا تعرفه؟
قلت يائسا: لا!
ناپیژندل شوی مخ