ابن سينا فیلسوف

بولس مسعد d. 1307 AH
41

ابن سينا فیلسوف

ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته

ژانرونه

إن الله يعرف الجزئيات؛ لأن جميع الكمالات الموجودة في المخلوقات موجودة وجودا سابقا في الله على وجه أعلى، ومعرفة الجزئيات كمال لنا؛ فإذن من الضرورة أن الله يعرف الجزئيات. (2)

إن الكمالات المتقسمة في الموجودات السفلى موجودة في الله على حال البساطة والوحدة؛ فإذن وإن كنا ندرك بقوة الكليات والمجردات، وبقوة أخرى الجزئيات والماديات، إلا أن الله يدرك الأمرين بعقله البسيط. (3)

لما كان الله علة جميع الأشياء بعلمه، كان علمه مسيطرا على جميع الأشياء؛ لأنه بمقدار ما هو علة للجميع بمقدار ذلك هو عالم بالجميع، ولا يغيب عن معرفته السامية أدنى شيء مما في السموات والأرض وتحت الأرض.

هذه هي البراهين التي أثبت بها القديس توما أن الله يعرف الجزئيات، وهي كما لا يخفى مكينة، عميقة، واضحة، مقنعة، فيكون الاثنان - أي أرسطو الإسلام وأرسطو النصرانية - متفقين على أن الله بمقدار ما هو علة لجميع الموجودات بمقدار ذلك هو عالم بجميع الموجودات، وبعبارة فلسفية محكمة: عموم علم الله على قدر عموم عليته.

أما في بيان كيفية ذلك فقد اختلفا؛ لأن القديس توما يبرهن على أن تحليل ابن سينا غير كاف وبراهينه غير وافية؛ لأن الجزئيات تستفيد من العلل الكلية صورا أقوى مهما تقارنت بعضها ببعض لا تتشخص إلا بالمادة الشخصية، وعلى هذا لو عرف فلكي جميع الحركات الكلية التي في السماء فينتج أن الكسوف من حيث هو كسوف لا يعرفه؛ فإذن على الوجه المذكور يلزم أن الله ليس يعرف الجزئيات في جزئيتها، وبمثال آخر: لو عرف عارف أن بطرس ابن زيد، فلا يعرفه على هذا النحو من حيث هو هذا الإنسان، وكذلك فإن الله لو عرف الجزئيات في عللها؛ فإنه لا يعرفها في جزئياتها - أي من حيث هي هذه.

وبعد أن بين القديس توما عدم كفاءة نظرية ابن سينا في كيفية معرفة الله للجزئيات أخذ يشرح نظريته بإيجاز لطيف ووضوح أخاذ، هاك ألفاظه معربة على أصلها اللاتيني:

لما كانت قدرة الله الفاعلية تعم لا الصور التي منها تستفاد حقيقة الكلي فقط بل المادة أيضا ... كان من الضرورة أن علمه يعم أيضا الجزئيات التي تتشخص بالمادة؛ لأنه لما كان يعلم الأشياء المغايرة له بماهيته من حيث إن ماهيته هي شبه الأشياء أو مبدؤها الفاعلي، فمن الضرورة أن تكون ماهيته مبدأ كافيا لمعرفته جميع مصنوعاته لا بالعموم فقط بل بالخصوص أيضا، وكذا حكم علم الصانع لو كان علمه مصدرا للشيء كله لا لصورته فقط.

مما قلناه نستنتج أن النقص المستولي على نظرية ابن سينا متأت من عقم نظريته الكونية أو الاشتقاقية؛ فالقديس توما يستمد قوة برهانه من أن الله يعرف الجزئيات من قدرته تعالى الشاملة البسائط والمركبات. أما ابن سينا فإنه قد استمد أيضا قوة برهانه من قدرة الله القدوسة، ولكن بما أن قدرته لا تعم في نظره المركبات، فقال بكون الله يعرف الجزئيات من البسائط التي هي علل المركبات أو الجزئيات الخاصة. وهذا هو الوهن الوحيد المسيطر على هذه النظرية التي لا تنكر معرفة الله للجزئيات؛ ولذا لا يجوز لكل مفكر منصف أن ينسب إلى الرئيس أمير فلاسفة المشرق كونه أنكر على الله معرفته للجزئيات، كما أنه أيضا لا يجوز له أن يثبت كون ابن سينا أقر معرفته تعالى للجزئيات إقرارا لا يشوبه زلل، ولا يعتريه إبهام.

هذا ما عن لنا إبداؤه من الرأي في هذه المسألة الدقيقة، فعسى أن نكون قد أدينا بعض الخدمة!

الفصل الحادي عشر

ناپیژندل شوی مخ