والذي يشير بالعدة يحتاج أن يعرف ثلاثة أمور: أحدها غلات المدينة ما هي؟ كيما إن نقص من الفاضل منها للعدة شيء أشار بالزيادة فيها. والثاني أن يعرف نفقات أهل المدينة كلها. والثالث أن يعرف أصناف الناس الذين في المدينة، فإن كان فيها إنسان بطال أو عاطل أشار بتنحيته عن البلد، وإن كان هنالك عظيم من النفقات في غير الجميل أو في غير الضروري أشار بأخذ ذلك الفضل من المال منه؛ فإنه ليس يكون الغناء بالزيادة في المال، بل والنقصان من النفقة.
وأما المشير بالحرب أو السلم؛ فإنه يحتاج أن يعرف قوة من يحارب ومقدار الأمر الذي ينال بالمحاربة، وحال المدينة في وثاقتها وحصانتها وضعف أهلها وقوتهم، وأن يعرف شيئا من الحروب المتقدمة ليصف لهم كيف يحاربوا (كذا) إن أشار عليهم بالحرب، أو يعرفهم بما في الحرب من مكروه إن أشار بترك الحرب.
وقد يحتاج لأن يعرف ليس حال أهل المدينة فقط، بل وحال من في تخومه وثغوره، أعني كيف حالهم في هذه الأشياء، وحالهم مع عدوهم في الظفر به والعجز عنه، فإنه يأخذ من هاهنا مقدمات نافعة في الإشارة عليهم بالحرب أو السلم، ويحتاج مع هذا أن يعرف الحروب الجميلة من الحروب الجائرة، وأن يعلم حال الأجناد هل هم متشابهون في القوة والشجاعة والرأي وإجادة ما فوض إلى صنف منهم من القيام بجزء جزء من أجزاء الحرب، أعني أن يكونوا في ذلك متشابهين، فإنهم ربما كثروا وتناسلوا، حتى يكون فيهم من لا يصلح للحرب أو للجزء من الحرب الذي فوض إليه القيام به.
وقد ينبغي مع ذلك أن يكون ناظرا ليس فيما أفضت إليه محاربتهم فقط، بل وفيما أفضت إليه حروب سائر الناس من المتقدمين المشابهين لهم، فإن الشبيه يحكم منه على الشبيه، أعني أنه إن كان أفضت الحروب الشبيهة بحربهم إلى مكروه أن يشير بالسلم، وإن كانت أفضت إلى الظفر أن يشير بالحرب.
وأما حفظ البلاد فإنه يحتاج المشير بالحفظ أن يعرف كيف تحفظ البلاد، وما مقدار الحفظ المحتاج إليه في طارئ طارئ، وكم أنواع الحفظ، ويعرف مع هذا المواضع التي يكون حفظها بالرجال، وهي التي تسمى بالمسالح، فإن كان الحفظ لتلك المواضع قليلا زاد فيهم، وإن كان منهم من لا يصلح للحفظ نحاه كمن ليس يقصد قصد المحاماة عن المدينة، بل يقصد قصد نفسه.
وينبغي له أن يحفظ أكثر من تلك المواضع الخفية - أعني التي المنفعة بحفظها أكثر - فمن عرف هذا فقد يمكن أن يشير بالحفظ، وأن يكون خبيرا بالبلاد التي يشير بحفظها.
وأما الإشارة بالقوت وسائر الأشياء الضرورية التي تحتاجها المدينة، فإنه يحتاج المشير فيه أن يعرف مقدارها، وكم يكفي المدينة منها، وكم الحاضر الموجود في المدينة ، وهو الفاضل عن أهل المدينة ، وما الأشياء التي ينبغي أن تدخل وهو ما قصر عن الضروري؛ لتكون مشورته وما يعهد به على حسب ذلك.
فإنه قد يحتاج المرء أن يحفظ أهل مدينته لأمرين: أحدهما لمكان ذوي الفضائل، والثاني لمكان ذوي المال الذين هم من أجل ذوي الفضائل.
والحافظ للمدن يحتاج بالجملة أن يكون عارفا بجميع هذه الأنواع الخمسة.
وأما النظر في وضع السنن والإشارة بها فليس بيسير في أمر المدن؛ فإن المدن إنما تسلم ويلتئم وجودها بالسنن، وليس يئول الأمر في هذه السياسة - أعني سياسة الحرية - إلى سياسة الأخساء من قبل استرخاء السنن ولينها، وإن كان ذلك هو الأكثر، بل ومن قبل الإفراط؛ فإن كثيرا من الأشياء إذا أفرطت بطل وجودها كما يبطل وجودها من قبل الضعف والتقصير، ومثال ذلك أن الفطس
ناپیژندل شوی مخ