وفي المقدور خلق الشبع دون الأكل وخلق الموت دون حز الرقبة، وإدامة الحياة مع حز الرقبة، وهلم جرا إلى جميع المقترنات.
وأنكر الفلاسفة إمكانه وادعوا استحالته.
والنظر في هذه الأمور الخارجة عن الحصر يطول، فلنعين مثالا واحدا وهو الاحتراق والقطن مثلا مع ملاقاة النار، فإنا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق، ونجوز حدوث انقلاب القطن رمادا محترقا دون ملاقاة النار، وهم ينكرون جوازه ... والمشاهدة تدل على الحصول عنده، ولا تدل على الحصول به، وأنه لا علة سواه؛ إذ لا خلاف في أن ائتلاف الروح بالقوى المدركة والمحركة في نطف الحيوانات ليس يتولد عن الطبائع المحصورة في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولا أن الأب فاعل الجنين بإيقاع النطفة في الرحم، ولا هو فاعل حياته وبصره وسمعه وسائر المعاني التي فيه، ومعلوم أنها موجودة عنده ولم يقل أحد إنها موجودة به ...
وقال ابن رشد يرد عليه:
أما إنكار وجود الأسباب الفاعلة التي تشاهد في المحسوسات، فقول سفسطائي، والمتكلم بذلك إما جاحد بلسانه لما في جنانه، وإما منقاد لشبهة سفسطائية عرضت له في ذلك، ومن ينفي ذلك فليس يقدر أن يعترف أن كل فعل لا بد له من فاعل.
وأما أن هذه الأسباب مكتفية بنفسها في الأفعال الصادرة عنها ، أو إنما تتم أفعالها بسبب من خارج إما مفارق أو غير مفارق، فأمر ليس معروفا بنفسه، وهو مما يحتاج إلى بحث وفحص كثير.
وإن ألفوا هذه في الشبهة الأسباب الفاعلة التي يحس أن بعضها يفعل بعضا لموضع ما هاهنا من المعقولات التي يحس فاعلها؛ فإن ذلك ليس بالحق، فإن التي لا تحس أسبابها إنما صارت مجهولة ومطلوبة من أنها لا يحس لها أسباب. فإن كانت الأشياء التي لا تحس لها أسباب مجهولة بالطبع ومطلوبة، فما ليس بمجهول فأسبابه محسوسة ضرورة، وهذا من فعل من لا يفرق بين المعروف بنفسه والمجهول، فما أتى به في هذا الباب مغالطة سفسطائية.
وأيضا فماذا يقولون في الأسباب الذاتية التي لا يفهم الموجود إلا بفهمها؟ فإنه من المعروف بنفسه أن للأشياء ذوات وصفات هي التي اقتضت الأفعال الخاصة بموجود موجود، وهي التي من قبلها اختلفت ذوات الأشياء وأسماؤها وحدودها، فلو لم يكن لموجود موجود فعل يخصه لم يكن له طبيعة تخصه، ولو لم يكن له طبيعة تخصه لما كان له اسم يخصه ولا حد، وكانت الأشياء كلها شيئا واحدا؛ لأن ذلك الواحد يسأل عنه: هل له فعل واحد يخصه أو انفعال يخصه، أو ليس له ذلك؟ فإن كان له فعل يخصه فهنا أفعال خاصة صادرة عن طبائع خاصة، وإن لم يكن له فعل يخصه واحد فالواحد ليس بواحد، وإذا ارتفعت طبيعة الواحد ارتفعت طبيعة الموجود، وإذا ارتفعت طبيعة الموجود لزم العدم.
وأما هل الأفعال الصادرة عن موجود موجود ضرورية الفعل فيما شأنه أن يفعل به، أو هي أكثرية، أو فيها الأمران جميعا؛ فمطلوب يستحق الفحص عنه، فإن الفعل والانفعال الواحد بين كل شيئين من الموجودات إنما يقع بإضافة ما من الإضافات التي لا تتناهى، فقد تكون إضافة تابعة لإضافة؛ ولذلك لا يقطع على أن النار إذا دنت من جسم حساس فعلت ولا بد؛ لأنه لا يبعد أن يكون هنالك موجود يوجد له إلى الجسم الحساس إضافة تعوق تلك الإضافة الفاعلة للنار، مثل ما يقال في حجر الطلق وغيره، ولكن هذا ليس يوجب سلب النار صفة الإحراق ما دام باقيا لها اسم النار وحدها. وأما أن الموجودات المحدثة لها أربعة أسباب: فاعل ومادة وصورة وغاية،
5
ناپیژندل شوی مخ