6
والمتنبي، ويكثر التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك أحسن إيراد.
قال ابن الأبار: «كان على شرفه أشد الناس تواضعا وأخفضهم جناحا.»
وكان هذا الخلق منه مطمع الطامعين في تواضعه وفي كرمه. دخل إليه أبو محمد الطائي القرطبي، فتلقاه قائما كعادته في لقاء زائريه، فقال الشاعر:
قد قام لي السيد الهمام
قاضي قضاة الورى الإمام
فقلت قم بي ولا تقم لي
فقلما يؤكل القيام
وظاهر أن هذه الخلائق الطيبة قد تغني المعلم أو الفيلسوف أو القاضي في صناعته، ولكنها لا تغني جليس الملوك في صناعة المنادمة والملازمة، بل لعلها تحرجه عندهم وتعرضه لإعراضهم ومقتهم؛ لأن هذا التواضع فيه لم يكن عن ضعة ولا عن استكانة، بل كان عن كرم وكرامة وشعور بالمساواة بين الناس في المجاملة وحسن المعاملة، فكان يخاطب الخليفة في مجلسه فيقول له: يا أخي! وكانت أمانة التعبير العلمي أحق عنده بالرعاية من زخرفة القول في ألقاب الملوك والأمراء، حيث لا محل لها بين تقريرات العلماء والفلاسفة، فلما شرح كتاب الحيوان لأرسطو زاد عليه عند ذكر الزرافة أنه رآها «عند ملك البربر ...» ومثل هذا اللقب هو الصدق الذي يجمل بالعالم في درسه وبحثه، ولكنه لم يكن جميلا عند الرجل الذي يسمي نفسه ويسميه من حوله بأمير المؤمنين وأمير الدين، ولما بلغ الأمر مسمع هذا الأمير لم يغن عن ابن رشد أنه تمحل
7
ناپیژندل شوی مخ