طبع بباريس الطبعة الثالثة سنة 1866، واطلعنا عليها في تلك الطبعة، وعليها جميعا نعتمد في تلخيص ترجمة الفيلسوف.
نشأ بقرطبة وتعلم الفقه والرياضة والطب، وتولى القضاء بإشبيلية قبل قرطبة، واستدعاه الخليفة المنصور أبو يعقوب وهو متوجه إلى غزو ألفونس ملك أراجون سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، فأكرمه واحتفى به وجاوز به قدر مؤسسي الدولة - دولة الموحدين - وهم عشرة من أجلاء العلماء، فأجلسه في مكان فوق مكان الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص الهنتاني، وهو صهر الخليفة (زوج بنته) ... ويظهر أن شهرة القاضي بالفلسفة قد جعلته موضع النظر مع الحذر، فلما استدعاه المنصور ظن أهله وصحبه أنه عازله ومنكل به، فلما خرج من عنده بعد تلك الحفاوة أقبل عليه صحبه يهنئونه، فقال لهم قولة حكيم: «والله إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به؛ فإن أمير المؤمنين قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمل فيه أو يصل رجائي إليه.»
وكلمة كهذه تكشف عن بصيرة الرجل وصدق رأيه، كما تكشف عن سليقة المعلم فيه؛ فإنه لو كان من أهل المنفعة بالمناصب لسره أن يؤمن الناس بزلفاه عند الخليفة، ولكنه علم الحقيقة فآثر الإرشاد بتعليمها على الانتفاع بما اعتقده الناس من وجاهته، وأيقنوه من عظم منزلته عند ذوي السلطان.
قال ابن الأبار:
1 «تأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة لم يصرفها في ترفيع حال، ولا جمع مال، إنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة، ومنافع أهل الأندلس عامة.»
وقد صدقت فراسة ابن رشد؛ فإن الخليفة لم يلبث أن نكبه وأقصاه - كما سيأتي بيانه في الفصل التالي - وأمره بملازمة «اليشانة»، وهي قرية كانت قبل ذلك مأوى لليهود، قيل إنه نفي إليها؛ لأنه كان مجهول النسب بأرض الأندلس، وكان المظنون به أنه من سلالة بني إسرائيل، وهو ظن لا سند له من الواقع على الإطلاق. وقد شهد ابن جبير لجده بالتقوى والصلاح وصحة الدين حين هجاه في نكبته، فقال:
لم تلزم الرشد يا ابن رشد
لما علا في الزمان جدك
وكنت في الدين ذا رياء
ما هكذا كان فيه جدك
ناپیژندل شوی مخ