الفصل الثاني
البشرى
آمنوا بالبشرى!
ذلك ما جهر به الغريب المجهول الأمر في البهو الكبير على حين كان يحدق إليه من غص بهم الكنيس من النواتي والتجار والصناع والسياح، فنحن في كفر ناحوم الواقعة في شمال بحر الجليل؛ حيث تمر القوافل التي تسير من الطريق الكبرى الممتدة من البحر إلى دمشق، وفي القوافل العلماء والهواة والأغنياء والكهان والحكماء. وفي السبوت يزور المسافرون الكنيس، ومنهم يعلم الأهالي أخبار العالم الخارجي، ويقدم ناحومي إلى الغريب الكتاب المقدس ليتلو منه ما تيسر طالبا إليه أن يفسره على أحدث طريقة في أورشليم.
والذي يحدث في هذا اليوم قد وصل إلى مدينة كفر ناحوم أمس، وليس البلد الذي سافر منه بعيدا، كما قال الناس هنالك؛ فالذي يغادر الناصرة وقت الفجر يصل إلى كفر ناحوم في نهار واحد، وهل يأتي من الناصرة ما هو صالح؟ قام ذلك الناصري وأخذ يصلي، فبهت القوم من صوته الخافت ، ولما علا المنبر أيقنوا أنه ليس معلما لعطل ردائه من الأهداب الأربعة التي تأمر بها الشريعة، وهل هو من تلاميذ يوحنا الذي اعتقل؟ ومنذ أي وقت يطوف هؤلاء المعمدون في البلاد بدلا من البقاء عبر الأردن؟ كلا، إن أنسه ولطفه دليلان على أنه ليس منهم، وهو لا يلبس مسحا
1
كالنساك، وهو لا يلبس حلة نبي كما يحلم به من يود أن يكون إيليا المنتظر، وتخلو نظراته وكلماته من الكآبة والوعيد.
قال يسوع: «قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالبشرى «الإنجيل»!»
هذا غير ما يعظ به معمدو الأردن، فيسوع لا يهدد ولا يحرض ولا يطالب باعتراف ولا عماد، وهو يفسر قديم النبوءات على ضوء الحياة الراهنة، وهو إذا لم يلبس حلة الكاهن ذات الأهداب، وهو إذا لم يستعن في مواعظه بالكتاب مقتصرا على توكيدها بلغة الإقناع المألوفة، ومبلغا أن الرجاء مع الإيمان، لم يلبث أن ملك قلوب الصيادين والفلاحين الذين ملوا ما في مناظرات الفريسيين من الدقائق، وأولئك لم يسمعوا أحدا يحدثهم عن «البشرى» مع بساطة هذه الكلمة، وقدرة الصبيان على فهمها، وهو يشبه ملكوت السماوات بالشرك الذي يلقى في البحر فيجمع جيد السمك ورديئه.
يتلاكز
ناپیژندل شوی مخ