91

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا هلكة)) وكان يقول: ((ما كتبت حديثا عن النبي ﷺ إلا وقد عملت به))

وإذا لم يجد الحديث ولا السنة عن الصحابة اجتهد في تخريج المسألة على منهاج من سبقه غير مبتدع سبيلا غير سبيلهم، وكان ينهى عن الاجتهاد في مسألة لم يتكلم فيها أو في منهاجها أحد من سبقه؛ ولذلك كان يقول لخاصة تلاميذه: ((إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام))

وهكذا تراه يحرص على أن ينزه فقهه عن الخروج على السنة، ويقيده بقيود لا نرى غيره حرص على تقييد فقهه بها، ولنؤجل بيان ذلك بيانا كاملا إلى الكلام في فقهه، إذ هو لب موضوعنا، وغاية بحثنا.

٩١ - الصفة الرابعة من صفات أحمد التي امتاز بها الإخلاص، والإخلاص في طلب الحقيقة ينقي النفس من أدران الغرض، فنستنير البصيرة، ويستقيم الإدراك، ويشرق القلب بنور المعرفة وهداية الحق. ولقد وجدنا الأئمة الثلاثة الذين سبقوا أحمد في الاجتهاد الفقهي، وكان لنا حظ دراستهم، قد اتصفوا جميعا بهذه الصفة، وامتازوا بها، ذلك لأن الهداية لا تكون إلا أن يقذف الله في قلبه بنور الإخلاص إذ الإخلاص لله سبحانه وتعالى هو أن يحب الشيء لا يحبه إلا لله، فلا يطلب العلم لمراء أو جدال، أو لاحتياز مجالس، أو لجاه عند ذي سلطان، ومن ارتقى بعلمه إلى هذه الرتبة، لا تعلق به غواشي الامتراء، ومعوقات الهوى، بل يتجه إلى الحقيقة اتجاها مستقيما، لا عوج فيه، ومن اتجه إلى طلب الحقيقة مستقيما وصل إليها بنور الله، ونطق بالحكمة لهداية الله، ووصل إلى الغاية من أقرب طريق، وأهدى سبيل.

ولقد آتى الله أحمد حظا كبيرا من الإخلاص في طلب علم الكتاب والسنة؛ فما طلبه لجاه الدنيا، ولا للشهرة والسمعة، بل كان ينفر منهما أشد النفور، ويتمنى ألا يكون شيئا مذكورا عند الناس، وكان يتجنب الرياء ويباعده، ويبالغ في الابتعاد عنه، حتى إنه كان لا يظهر المحبرة، ليذكره الناس بالحرص على الكتابة بل كان يقول: ((إظهار المحبرة من الرياء)). وكان يؤثر ألا يسمع به أحد. فكان يقول: أريد النزول بمكة ألقى نفسي في شعب من تلك الشعاب، حتى لا أعرف)) وكان ينفس على

90