90

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

سأله بعض أصحابه: قائلا أن ههنا من يناظر الجهمية، ويبين خطأهم، ويدقق عليهم المسائل، فما ترى؟ قال: لست أرى الكلام في شيء من هذه الأهواء، ولا أرى لأحد أن يناظرهم، أليس قال معاوية بن قرة، الخصومات تحبط الأعمال، والكلام رديء، لا يدعو إلى خير، تجنبوا أهل الجدال والكلام، وعليك بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنهم كانوا يكرهون الكلام، والخوض مع أهل البدع، وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات، وقال إذا رأيتم من يحب الكلام، فاحذروه(١)

ولقد كتب إليه رجل يسأله عن مناظرة أهل الكلام، والجلوس معهم، فأملى هذا الكتاب جوابا عن السؤال:

((أحسن الله عاقبتك، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تعد ذلك، ولم يزل الناس يكرهون كل محدث من وضع كتاب، وجلوس مع مبتدع، ليورد عليه بعض ما يلبس عليه في دينه))(٢)

وهكذا ينهج الإمام أحمد منهج الإمام مالك. فقد كان مالك رضي الله عنه يكره الجدل، ويعد الجدل بعيداً عن لب الدين وحقيقته، وأن أهل الجدل هم الذين أفسدوا على الناس أمور دينهم، وعلى هذا المنهاج سار أحمد.

ولقد كان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما على غير ذلك المسلك، فلقد كان أبو حنيفة يجادل الجهمية وغيرهم، ويلحن بالحجة عليهم، ويسد عليهم طرائقهم، والشافعي كان قوي الجدل، شديداً في الخصام، ولكن لطلب الحق، لا للغلب، وإن كتبه كلها صور من المناظرة الجيدة المستقيمة، وكل وما يختار من المناهج، والمسالك.

٩٠ - وأما نزاهة فقهه، فقد كان حريصا على ألا يخرج عن السنة، وكان متبعا للرسول والصحابة في كل فقهه، وما يخرجه من آراء، فأساسه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن التابعين، وكان حريصا كل الحرص على ألا يرد في فقهه حديثا نسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا عارضه أقوى منه، وكان يقول: ((من رد حديث رسول الله

(١) تاريخ الذهبي (مقدمة المسند ص ٢٢) جمع المعارف بتحقيق الأستاذ الشيخ أحمد شاكر

(٢) الذهبي مقدمة المسند ٨٥

89