Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ولكن المتوكل يطمئن إلى جانب أحمد كل الاطمئنان، عند ما تبين له ما عليه من تقى وإيمان، وابتعاد عن الفتن، حتى أنه تبلغه نميمة وسعاية هي: "إن أحمد لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرم هذا الشراب الذي تشرب"، فيقول قولاً حاسماً قاطعاً لكل مشاء بنميم: "لو نشر المعتصم وقال لي فيه شيئاً لم أقبله" (١)
وعندما بلغ أحمد هذه المنزلة من الثقة قد ترك له المتوكل حريته كاملة في أن يقبل عطاءه أو يرده، فكان يرده، ولو كان قد أرسله ليوزعه على أهل الحاجة والمعوزين، فإنه روي أنه وجه ألف دينار ليوزعها على أهل الحاجة فقال: أنا في البيت منقطع عن الناس، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا ما أكره
٧٧- وإذا كان أحمد قد عف عن مال الخليفة، وأراحه هذا من الاستطالة عليه لحمله على الأخذ مكرهاً، فإن ذلك العالم الجليل التقي لم يهدأ باله كاملاً، لأن أولاده وذوي قرباه كانوا يأخذون مال الخليفة، وكان هو ينهاهم فلا ينتهون، ويقول لهم: "لم تأخذونه، والثغور معطلة غير مشحونة، والفيء غير مقسوم بين أهله" (٢)
ثم إنه يقاطعهم، ولا يؤاكلهم، ولا يشاربهم، حتى إنه لا يأكل الخبز الذي يخبز في تنورهم، وبنارهم، فإنه يرى أنه قد خبز له خبز في تنور مسجور في بيت ولده، فرفض تناوله؛ لأنه يأخذ جوائز السلطان، ويبلغ الخليفة ذلك؛ فلا يغضب، ولا ينقم، إذ عرف إيمانه وإخلاصه، ويقول: "إن أحمد ليمنعنا من بر ولده" أو يأمر بإعطاء أقاربه وأولاده خفية عنه.
ولكن هل لنا أن نقطع بأن أحمد كان يرى أخذ مال الخلفاء حراماً حرمة لا شك فيها؟ يظهر أنه كان يشك، ولا يقطع بالحرمة، والشك بالنسبة إليه كاف ليمتنع، ولينزه نفسه، وألا ينتفع من أخذ منه مؤمناً بأنه ليس بحرام.
يروى في ذلك أنه دخل عليه ابنه يعوده، وهو مريض، فقال له يا أبت عندنا شيء قد بقى ما كان يبرنا به المتوكل، أفأحج منه؟ قال نعم، قال: فإذا كان عندك هكذا،
(١) المناقب ص ٣٦٩
(٢) المناقب ص ٣٨٤
78