194

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

أفتى في مسألة مغايرة، وإن كان التشابه ظاهرياً، ولو صرح بالرجوع عن الأول، لما بدا له من تغير الحال، لا من قوة الدليل، إلا إذا صرح بأنه أفتى في الأول، ولم يكن عنده حديث، وقد وجده، فإنه في هذه الحال ليس من المعقول أن يدعى على أحمد أن الأول يستمر منسوباً إليه.

هذا كله إذا علم تاريخ القولين، وكان بينهما لا محالة تراخ زمني، أما إذا جهل التاريخ، والفرض أن التراخي الزمني ثابت، أي أن القولين رويا في واقعتين مختلفتين، ولا علم لمحققي المذهب بسبق أحدهما على الآخر، فإن بعضهم يعتبر ثمة قولين في المذهب في هذه المسألة؛ لأنه إذا كان العلم بالسابق واللاحق والرجوع لا يمنع هؤلاء من اعتبار المسألة ذات قولين، فإنه أولى أن يعتبروا القولين إذا جهل السابق واللاحق.

وقال آخرون إن القول واحد، ويرجح بين القولين بقوة الدليل، وقرب أحد الرأيين من منطق المذهب الحنبلي، أو كما عبر ابن مفلح ((من قواعد مذهبه))، فأقوى القولين دليلاً، أو أقربهما إلى قواعد المذهب ينسب إلى أحمد، والثاني يرد.

٨١ - وخلاصة القول في هذا المقام الذي تتعدد فيه الأقوال بتعدد الوقائع أن علماء المذهب الحنبلي قد اختلفوا على فريقين:

(أحدهما) كان يتسع صدره لاختلاف الأقوال، فيحكم بتعدد الأقوال متى تعذر التوفيق، ويتخذ من كثرة أقوال الإمام دليل كمال؛ لأنه كان رحمه الله، كشأنه دائماً يتحرى لدينه، ومن يتحرى لدينه يتردد، فتكثر أقواله.

(وثانيهما) كان يميل إلى توحيد رأي الإمام، فهو يرجح بالتاريخ إن أسعف التاريخ، وإن لم يسعف يرجح بالموازنة بين الأقوال، وتحقيق النسبة لأقواها دليلاً وأقربها إلى منطقه، وقواعد مذهبه التي استنبطها العلماء المخرجون فيه، فإن لم يكن ذلك كان في المذهب قولان، وذلك عند الاضطرار يلجأ إليه، وتعليل اتجاه هؤلاء هو أن الأصل في المجتهد أن يكون له رأي واحد ينتهي إليه اجتهاده، وإن لم يتعين له رأي واحد في المسألة لا يكون له اجتهاد فيها، إذ الاجتهاد بذل الجهد لمعرفة الحكم،

م ـــ ١٣

193