Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
د - أن يكون أساس النقل أن أحمد أفتى في إحدى الواقعات بما يتفق مع الأثر ثم أفتى في واقعة أخرى تقارب الأولى، ولكن اقترنت بأحوال وملابسات جعلت الأنسب أن يفتى فيها بما يخالف الأولى. فيجيء الرواة، فيروون الاثنين، وهم يحسبون أن بينها تضارب بعدم النظر إلى الملابسات التي اقترنت بكل واقعة منهما، والحقيقة أن لا تضارب، لأن كل واحدة جاءت في حال، وأحاطت بها ملابسات فصلتها عن الأخرى، وجعلت فتوى كل واحدة متطابقة معها، مناسبة لها، وهذا ظاهر من الاختلاف وليس من الاختلاف في الرأي في شيء، ولو كان في طاعة الباحثين أن يدرسوا فتاوى أحمد دراسة متعرف لما أحاط بواقعة الاستفتاء لبدا ذلك النوع كثيرًا في فتاويه رحمه الله تعالى، وقد قرر فخر الدين الرازي ذلك بالنسبة للشافعي، وهو واقع بالنسبة لأحمد رضي الله عنه.
هـ - وإن أحمد كان يضطر إلى القياس، أو بعبارة أعم إلى الرأي، وأوجه الرأي، مختلفة متضاربة، وقد يتعارض في نظره وجهان من أوجه الرأي، فيتوقف أو يذكر الاحتمالين، أو الوجهين، فينسبون إليه قولين.
٧٧ - من أجل هذا وغيره كانت المجموعة الفقهية المنسوبة لأحمد قد اختلفت فيها الأقوال والروايات بكثرة عظيمة، ثم جاء الذين جمعوه، والذين خرجوه، وضبطوا فاختاروا صحة بعض الأقوال ورجحوها على غيرها، أو صححوا بعض الروايات، وردوا غيرها، وقد رأيت كيف اختار الخلال رأيًا، أو رواية، واختار تلميذه عبدالعزيز رأيًا آخر، أو رواية أخرى، وكيف كان القاضي ابن أبي يعلى يرجح اختيار التلميذ على اختيار الأستاذ أحيانًا.
وإن اختلاف الأقوال والروايات على ذلك النحو فتح بابين من أبواب الدراسة للفقه الحنبلي عند علمائه.
(أحدهما) أن العلماء حاولوا وضع ضوابط للترجيح، لكي يقدموا بعض الأقوال ويصححوا بعض الروايات دون الأخرى. وثانيهما أنهم في سبيل هذه الدراسة كانوا يحاولون وضع ضوابط عامة للخصائص التي امتاز بها الفقه الحنبلي، فكانت تلك
190