155

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

حديث أحمد وفقهه

٣٥ - هذا هو الغرض المقصود من دراستنا، وقد ذكرنا عرضا آراءه في السياسة وحول العقائد، لأنه قد اضطر تحت سلطان الفكر في عصره، وملابسات الزمان، ولمجادلات التي أثارها المعتزلة، ومن ورائهم الخلفاء أن يتكلم فيها، وكان مع كلامه يتجنب الخوض مع أصحاب الأهواء وغيرهم، بل كان يذكر رأيه عرضا عند سؤال سائل أو استرشاد مسترشد، إذ كان إماما يقتدى به، ويرشد، ويدعو إلى ما يراه سبيلا للهداية، إن طلب إليه ذلك، فتكلم ولم يخض، وأبدى رأيه، ولم يجادل، وصبر على البلاء في رأيه، ولم يناضل، فكان بذلك التقي الندب المحتسب. أما في الفقه والحديث فذلك هو مقامه، وما نصب نفسه له، واتجهت مواهبه كلها له، اتجه إلى الحديث، ومعرفة آثار الصحابة وأخبارهم، وفتاويهم وأقضيتهم، ومن أقضية الرسول، وفتاوى الصحابة وأقضيتهم اقتبس الفقه، وبذلك الطريق المستقيم اتجه إليه، فكان فقهه مأثورا أو قريبا منه، ولما التقى بالشافعي في صدر حياته، تعلم منه ضوابط الفهم الصحيح للكتاب، والمقابلة بين الأصول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وبعبارة عامة تعلم منه كيف يكون الاستنباط، وكيف يستخرج أحكام الفروع من مصادر الشرع الأولى.

ولكن ذلك الذي تعلمه من الشافعي، ورأى منه عقله، وأنه منال عظيم لا يصح أن يفوت طالب علم الكتاب والسنة، قد هضمه على طريقة تمثيله في نفسه، فإن العالم يستقي من ينابيع العلم المختلفة، ويهضمها ويكون غذاء صالحا. ثم يأتي بثمرات ما تغذى به علما خالصا يتفق مع كونه، وشخصه، وإن كان غذاؤه منها، لذلك تلقى أحمد علم الشافعي، وكله فقه وطرائق استنباط، وتغذى به، وكان ثمرته أن استطاع أن يدرس السنة والآثار دراسة قويمة، ويسلك في فقهه طريق الأثر، فإن لم يعلم أن في المسائل التي يستفتى فيها قضية صحابي أو تابعي، قارب، ولم يباعد، فكان فقهه بذلك آثارا، أو محاكاة صحيحة لآثار، أو مقاربة لها، فكان الفقه الأثري في حقيقته، وفي منحاه، وفي مظاهره.

٣٦ - لذلك يحق لنا أن نقول إن أحمد إمام في الحديث، ومن طريق هذه الإمامة

154