Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
مخلوقون، فكل أفعالهم مخلوقة، هذا كلام غير جدير بالنظر، والحكاية والرواية.
١٢- وقد سقنا هذا الكلام، لتعلم إلى أي حد كان الناس في عصر أحمد قد وقعوا في حيرة، وضلوا، حتى في الأمر المحسوس الذي لا يشك فيه، وحتى لقد امتنع قوم عن أن ينطق بأن القراءة مخلوقة، لأن ذلك النطق بدعة لا يصح أن يكون، إذ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كما جاء بذلك الأثر الصحيح.
وإذا كان هذا شأن الخلاف في قراءة القرآن، فكيف يكون الشأن في القرآن نفسه، والقرآن الكريم ينظر إليه نظران أحدهما، النظر إلى مصدره، وهو أن الله سبحانه متصف بالكلام، وصفة الكلام قديمة بقدم الذات العلية، لأن الله سبحانه وتعالى لا يتصف بما يتصف به الحوادث، تعالى الله عنها علوا كبيرا.
النظر الثاني هو النظر إلى هذه الحروف، وتلك الكلمات المكونة منها، والمعاني التي تدل عليها الكلمات وتفهم من العبارات التي هي كلمات مجتمعة، هذا هو المحز، فماذا كان رأي أحمد فيه؟
قال فريق إن أحمد كان يتوقف، ويرى أن الخوض في هذا الأمر بدعة يجب السكوت فيها، ولا يصح استمرار الحديث مع الذين يثيرونها، ويؤيدون ذلك بعبارات يلقفونها عن أحمد تدل على الامتناع عن الخوض، وألا يساق إلى ذلك سوقا، حتى لا يجري فيما جرى فيه المبتدعون، من مثل قوله للمعتصم، وقد جاء به للمناقشة، فقد جاءت في روايته هو لهذه المناقشة قوله: ((جلست وقد أثقلتني الأقياد، فلما مكثت هنيهة قلت: تأذن في الكلام؟ فقال تكلم، فقلت إلام دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إلى شهادة أن لا إله إلا الله. قال: قلت أنا أشهد أن لا إله إلا الله ثم قلت إن جدك ابن عباس يحكي أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله، وقال أتدرون ما الإيمان به؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من الغنم))(١)
وهذا كلام المتوقف الذي لا يقطع فيه بأمر، ولا يدعي أن القرآن المقروء المكون
(١) البداية جـ ٩ ص ١٩٨.
132