Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ولا يبحث عن كنهها، ولا عن حقيقتها، ويعتبر التأويل خروجا على السنة، إن لم يكن مستمدا منها، وذلك لأنه يرى أن اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة، وابتداع في القول ولذلك يقول عن صفة المؤمن من أهل السنة إرجاء ما غاب عنه من الأمور إلى الله، كما جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم، فيصدقها، ولا يضرب لها الأمثال)) (١).
وهو يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قديم لا أول له، فكذلك صفاته، ومنها صفات الكلام.
١١ - ومن صفة الكلام تجيء مسألة خلق القرآن في نظر أحمد ،وقد شرحنا في حياته ما نزل به من محنة بسببها، وتركنا تحقيق رأيه فيها إلى هذا الموضع من البحث وإن المحنة تدل على أنه ما كان ينطق بأن القرآن مخلوق، الأمر الذي دعا إليه بنو العباس، ولو كان قد نطق بها، ولو كرها ما نزل به من البلاء ما قد نزل، ولكن ماذا كان رأيه، أكان يرى أن القرآن الذي يقرأ ويكتب في المصاحف، ويلفظ به القارئ في قراءته، وتكتب حروفه في المصاحف قديم، لقدم صفة الكلام، أم لا ينطق بأن القرآن مخلوق، لأن ذلك بدعة لا يصح لمثله نطق بها؟
لقد اختلفت في ذلك الروايات عن أحمد رضي الله عنه، وقبل أن نخوض في بيان رأيه نقول: القرآن، بمعنى تلاوته محدثة لا قديمة، فمن قال إن القرآن مخلوق أي محدث، بمعنى قراءته، فكلامه سليم لا شك فيه، وذلك لأن القراءة وصف للقارئ، لا وصف لله سبحانه وتعالى، وإطلاق القرآن بمعنى القراءة قد جاء في القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: ((وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)) ((أي قراءة الفجر، وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى نظر دقيق، وبحث عميق.
ومع هذه البداهة يحكي ابن قتيبة أن ناسا قالوا إن القراءة للقرآن قديمة، ويوجه قولهم فيقول في توجيهه: ((إن من قال القراءة غير مخلوقة، فقد قال إن أعمال العباد غير مخلوقة)) (١) وكيف يقول قائل إن أعمال العباد غير مخلوقة!! والعباد أنفسهم
(١) الكتاب السابق
(٢) اختلاف اللفظ لابن قتيبة ص ٥٢ طبع القومى بتحقيق العالم المحقق الشيخ الكوثرى
131