أقول: هنا أيضا رسم صورة زاهية للمشركين؛ ولم يذكر تكذيبهم بالبعث، ولا اعتقادهم أن الذي يهلكهم هو الدهر، ولا اعتقادهم انهم يمطرون بنوء كذا وكذا، ولا أكلهم الربا، وقتلهم النفس، ودفنهم البنات ولا غير ذلك من المظالم والجرائم؛ ولا وصفهم للنبي صلى الله عليه وآله سلم بأقبح الأوصاف وتكذيبهم له، وتعذيبهم المسلمين وقتلهم المستضعفين...
فالشيخ محمد أخذ الآيات التي تدل على إيمانهم على وجه الجملة بأن الله هو الخالق الرازق..
مع أن هذه الاعترافات التي اعترف بها المشركون؛ قد أجاب عنها بعض العلماء؛ وذكروا أن المشركين إنما اعترفوا بها من باب (الإفحام والانقطاع)، وليس من باب الاقتناع، ولو كانوا صادقين في اعترافهم؛ لأتوا بلوازم هذا الاعتراف.
فلذلك يأمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذكرهم بلوازم هذا الاعتراف كما في قوله تعالى: (فقل : أفلا تتقون) (قل: أفلا
تذكرون)؟! ... الخ.
فكأن الله عز وجل يوبخهم بأنهم كاذبون، وأنهم لا يؤمنون بالله عز وجل خالقا ورازقا، كما لا يستطيعون في الوقت نفسه أن يقولوا أن الأصنام هي التي خلقت السماوات والأرض!! فبقوا بين الاعتراف بالقول (انقطاعا) وممارسة ما يخالفه واقعا.
والحاصل: أنه لا يجوز للشيخ رحمه الله ولا لغيره أن يذكر فضائل الكفار ويهمل أخطاءهم، بينما يختار أخطاء المسلمين وينسى فضائلهم!.
ولا يجوز أن نختار الآيات التي قد نوهم بها العوام -دون قصد- بأن فيها ثناء على الكفار، ونترك الآيات التي تذمهم وتبين كفرهم وظلمهم وتكذيبهم بالبعث... الخ.
مخ ۳۱