93

ويوشك كل من تصوره من العرب أن يجعله على مثال إنساني منحرف بعض الانحراف، أو مشوه في أصل الخلقة لمجرد المخالفة بينه وبين الملامح الإنسانية، ومن ذاك وضع العين بالطول، وتخيله بعين واحدة في وسط جبهته، إلى أشباه ذلك من التشويه المقصود لمجاراة الخيال في استلزام المخالفة بين منظر الإنسان ومنظر الشيطان، وعلى نقيض ذلك كان تصوير شاعر الفرس - السعدي الشيرازي - للشيطان الذي رآه في الحلم، فقد رآه «بقامة كفرع البانة، وعينين كأعين الحور، وطلعة كأنها تضيء بأشعة النعيم» ... ولما علم أنه الشيطان أدهشه أن يكون الرجيم البغيض بهذه الوسامة المحبوبة، وسأله فلاحت على طلعته كبرياؤها وقال: «لا تصدق، يا صاح، أنه مثالي ذاك الذي رأيتهم يمثلونه؛ فإن الريشة التي ترسمني تجري بها يد عدو حسود، سلبتهم السماء فسلبوني الجمال.»

ولا يعنينا في هذا الفصل نقل الصور «الحسية» التي اخترعها الشعراء والفنانون لذلك الكائن المحتجب عن النظر، ولكننا نجمع هنا بعض أوصافه التي تقع في روع المتخيل، أو تعرض للفهم عن تفكير واستنباط، وليست هذه الأوصاف بالكثيرة ولا بالمتباعدة في جوهرها، وليس فيها من ابتداع إلا والمنطق يوحي به لزاما في أوصاف الشياطين على إجمالها، وإنما الجديد فيها قدرة الشاعر على إبراز «الشخصيات» وتلوينها بألوانها الخلقية، وكل هذه الشياطين التي جاءت «مشخصة» في أقوال شعراء الغرب قريب من قريب.

وليس أشهر في «الشخصيات» الشيطانية المسرحية من شياطين مارلو وجيتي وملتون وبليك وكردوتشي، من شعراء القرن السادس عشر فما بعده، فإنهم هم الشعراء الذين خلعوا على الشيطان مسحة مسرحية من فنهم، ولم يكن تصويرهم للشيطان كله نسخة منقولة من الشيطان كما صورته كتب اللاهوت، ولم يرد شيطان كردوتشي في قصة مسرحية، ولكنه مثله على مثال الشخصيات السياسية التي تقوم ببعض الأدوار على مسرح الحوادث.

ولد كريستفور مارلو “Christopher Marlowe”

الشاعر الإنجليزي في سنة 1564، وظهرت في حياته قصة الساحر فوستوس بالألمانية، ثم ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، ومدارها على رجل ساحر متعطش إلى المتعة والسطوة، لم يجد بغيته منهما في العلم والفقه، فأقبل على كتب السحر الأسود يلتمس منه القدرة على تسخير الشيطان لما يهواه، وتعاقد مع الشيطان على قضاء أربع وعشرين سنة في المتعة التي يهواها، ثم يسلمه روحه ليهبط بها إلى الجحيم.

ويجري الحوار بين فوستوس والشيطان عند التعاقد بينهما كما يأتي:

مفستوفليس :

فوستوس! أقسم بالجحيم ولوسيفر أن أنجز جميع الوعود التي اتفقنا عليها.

فوستوس :

إذن؛ دعني أقرأها على الشرائط التالية:

ناپیژندل شوی مخ