عملت لكم عملا يهلك به من أرادكم من كل جهة تؤتون منها برا أو بحرا، وهذا يغنيكم عن الحصن، ويقطع عنكم مؤنته؛ فمن أتاكم من أي جهة، فإنهم إن كانوا في البر على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجالة تحركت هذه الصورة من جهتهم التي يأتون منها، فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما يفعلون بهم. فلما بلغ الملوك حولهم أن أمرهم قد صار إلى ولاية النساء، طمعوا فيهم، وتوجهوا إليهم، فلما دنوا من عمل مصر، تحركت تلك الصور التي في البر، فطفقوا لا يهيجون تلك الصور، ولا يفعلون بها شيئا إلا أصاب ذلك الجيش الذي أقبل إليهم مثله؛
من قطع رءوسها أو سوقها أو فقء عينها، أو بقر بطونها. وانتشر ذلك، فتناذرهم الناس، وكان نساء أهل مصر حين غرق أشرافهم ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبروا عن الرجال، فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه، وتتزوج الأخرى أجيرها، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا إلا بإذنهن، فأجابوهن إلى ذلك؛ فكان أمر النساء على الرجال (١) .
قال ابن لهيعة: فحدثني يزيد بن أبي حبيب، أن القبط على ذلك إلى اليوم، اتباعا لما مضى منهم؛ لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: أستأذن امرأتي. فملكتهم دلوكة بنت زباء عشرين سنة تدبر أمرهم بمصر، حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم رجل يقال له دركون بن بلوطس (٢)، فملكوه عليهم؛ فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة. ثم مات دركون "بن بلطوس" (٣)، فاستخلف ابنه بودس، ثم توفي فاستخلف أخاه لقاس، فلم يمكث إلا ثلاث سنين حتى مات، ولم يترك ولدا، فاستخلف أخاه مرينا، ثم توفي، فاستخلف ولده استمارس، فطغى وتكبر وسفك، وأظهر الفاحشة، فأعظموا ذلك، وأجمعوا على خلعه فخلعوه، وقتلوه وبايعوا رجلا من
_________
(١) فتوح مصر ٢٧-٢٨.
(٢) في الأصول: "بلطوس"، وما أثبته من فتوح مصر.
(٣) من فتوح مصر.
1 / 48