وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمر بن العاص؛ أن فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس، فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم، ويعطوه مالًا؛ فكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق، ثم يرده إلى قرية (١) في المغرب، ثم يرده إلى أهل قرية في القبلة، ويأخذ من أهل كل قرية مالًا؛ حتى اجتمع له في ذلك مائة ألف دينار، فأتى بذلك كله إلى فرعون، فسأله فرعون عن ذلك، فأخبره بما فعل في حفره. قال له فرعون: ويحك! ينبغي للسيد أن يعطف على عباده، ويفيض عليهم ولا يرغب فيما بأيديهم، ورد على أهل كل قرية ما أُخذ منهم. فرده كله على أهله. قال: فلا يُعلم بمصر خليج أكثر عطوفًا منه لما فعل هامان في حفره.
قال ابن عبد الحكم: وزعم بعض مشايخ أهل مصر أن الذي كان يُعمل به بمصر على عهد ملوكها، أنهم كانوا يُقرون القرى في أيدي أهلها، كل قرية بكراء معلوم، لا ينقض عليهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ وتنقل اليسار؛ فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك، وعدل تعديلًا جديدًا، فيرفق بمن استحق الرفق،
ويزداد على من يحتمل الزيادة، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم؛ فإذا جُبِيَ الخراج وجمع، كان للملك من ذلك الربع خالصًا لنفسه يصنع فيه ما يريد، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليها من جسورها وحفر خلجها، وبناء قناطرها؛ والقوة للمزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل، أو جائحة بأهل القرية؛ فكانوا على
_________
(١) بعدها في ط: "من نحو دبر القبلة، ثم يرده إلى قرية"، والصواب ما في الأصل.
1 / 44