(216) فأصناف الحروف التي تطلب بها أسباب وجود الشيء وعلله على ما يظهر ثلاثة: " لماذا " وجوده، و" بماذا " وجوده، و" عن ماذا " وجوده. فأما حرف " ماذا " وجوده فالذي يدل عليه حد الشيء - وهو ماهيتة ملخصة - وإنما يكون بأجزاء ذاته وبالأشياء التي إذا ائتلفت تقومت عنها ذاته، وإنما يكون فيما ذاته منقسمة. فإذن ما هيته هي أحد أسباب وجوده، وهو أخص أسبابه. وهو أيضا داخل " بماذا " وجوده وهو فيه، فإنه الذي به وجوده وهو فيه.فإن الذي به وجوده قد يكون فيه وقد يكون خارجا عنه. فإن الحافظ لوجوده مثل الشمس في أنها تبقي النهار موجودا، هي التي بها وجود النهار وهي من خارجه. ف " ماذا " وجوده و" بماذا " وجوده يجتمعان في الدلالة على سبب واحد، أشترط في " ماذا " وجوده أن يكون في الشيء، و" بماذا " وجوده يطلب به الفاعل والحافظ والماهية. فإن الأشياء التي إذا ائتلفت تقوم بها ذات الشيء يجتمع فيها أن تكون هي معقول الشيء على التمام وأتم ما يعقل به فيما هو منقسم الماهية.وقد تكون تلك أحد أسباب وجوده، عقلناه نحن أو لم نعقله. فإذا أخذناه هكذا كان ذلك بالإضافة إلى الشيء نفسه فقط لا إلينا. وإذا أخذناه من حيث هو معقول ذلك الشيء فهو بإضافة ذلك الشيء إلينا، لأنه إنما هو معقول لنا. فحرف " ماذا " و" بماذا " هما يتفقان في أن يكونا عبارة عن أشياء واحدة بأعيانها. إلا أن " ماذا " يدل عليها من حيث هي بالإضافة إلينا ومن حيث هي معقول ذلك الشيء عندنا، و" بماذا " يدل عليها من حيث هي بالإضافة إلى الشيء نفسه. ف " ماذا هو " إنما يحصل على الإطلاق متى كان معقول الشيء عندنا بالأشياء التي إذا أخذت بالإضافة إليه كانت تلك بأعيانها هي " بماذا هو " الشيء. و" عن ماذا " وجود يطلب به الفاعل والمادة. و" لماذا " وجوده يطلب به الغرض والغاية التي لأجلها وجوده - وهي أيضا " لأجل ماذا " وجوده على حسب الأنحاء التي يقال عليها " لأجل ماذا " وجوده. وهذه الثلاثة قد يطلب بها في المطلوبات المركبة التي هي قضايا. وأما " ماذا هو " فلا يجوز أن يقرن بقضية أصلا بل مطلوب مفرد أبدا.
(217) فإذن " لم هو " و" ما هو " قد يجتمعان أحيانا فيكون المطلوب بهما شيئا واحدا بعينه. وإذا كان المطلوب بحرف " هل " قد ينطوي فيه أحيانا المطلوب بحرف " لم " ، فقد يكون أحيانا المطلوب ب " هل هو " منطويافيه " لم هو " و" ما هو " جميعا. وهذا فحص طويل وعريض صعب جدا، إلا أنه يتبين في آخر الآخر أن هذا إنما يكون في كل ما كان مثل قولنا " هل كسوف القمر هو انطماس ضوء القمر أم لا " . فإن قوما قالوا غير ذلك. فإنه إذا أخذ في بيان ذلك أنه يحتجب بالأرض عن ضوء الشمس وقت المقابلة، يكون قد برهن على هذا الوجه - وفي مثل هذا يسوغ أن يسأل " هل الإنسان إنسان " أو " لم الإنسان إنسان " - فإن انطماس ضوئه هو كسوفه بعينه، وهو بعينه احتجابه عن الشمس.
مخ ۷۰