(214) وأما " نعم " و" لا " فإنهما لا يستعملان وحدهما جوابا عن السؤال الذي صرح فيه بالنقيضين معا - فإنا إذا قلنا " هل زيد قائم أو ليس بقائم " لم يجز أن يكون الجواب لا " نعم " وحدها ولا " لا " وحدها - بل السؤال الذي إنما صرح فيه بأحدهما، مثل قولنا " هل زيد بقائم " ، " أزيد قائم " ، فإن المجيب إذا قال " نعم " يكون قد أجاب بالمقابل الذي صرح به، وإذا قال " لا " يكون قد أجاب بالسلب الذي هو مقابل الإيجاب الذي صرح به. وإذا كان الذي صرح به في السؤال عنه هو السلب - كقولنا " هل زيد ليس بقائم " - فإن المجيب إن قال " نعم " يكون قد أعطى السلب الذي صرح به السائل في سؤاله، وإن قال " لا " يكون قد أعطى سلب هذا السلب ويكون قوة ذلك قوة الإيجاب. وقد يكون قوته إعطاء للسلب - كقولنا " هل صحيح أن الإنسان ليس بطائر " - فإن المجيب متى قال " نعم " يكون قد أعطى السلب نفسه، وإن قال " لا " لم يكن ذلك إلا الجواب بمقابل السلب. وأما السؤال الذي يقصد به تسليم أحد المتقابلين فقط - كقولنا " أليس الإنسان بحيوان " - فإن المجيب متى قال " نعم " احتمل ذلك تسليم السلب وتسليم الإيجاب، وإن قال " بلى " لم يكن إلا تسليم الإيجاب، فإن قال " لا " كان تسليم السلب. وقولنا " أليس الإنسان ليس بطائر " فأي شيء من هذه الثلاثة أجاب به احتمل المتقابلين. فلذلك كل موضع كان استعمال كل واحد من هذه الثلاثة مفردا وحده على حياله يحتمل إعطاء المتقابلين فيه فينبغي أن نزيد على الحرف الذي نستعمله منها المقابل الذي هو مزمع به تسليمه. ولذلك لما كان السائل إذا صرح بالمتقابلين جميعا فأجاب المجيب بحرف نعم وحده أو بحرف لا وحده احتمل الجواب كلا المتقابلين حتى لا يدرى أي المتقابلين أعطى المجيب في الجواب عند استعمال أحد هذين الحرفين وحده، استعملا حيث لا يوقع اللبس وهو يصرح فيه بالإيجاب وحده دون السلب، فإنه إن قال " نعم " يكون لا محالة قد أجاب بالإيجاب وإن قال " لا " يكون قد أجاب بالسلب. وكذلك إذا استعملا جوابا للأمر فإن حرف نعم طاعة وحرف لا معصية، وإن استعملا جوابا للنهي لم يتبين هل هو طاعة أو معصية، فإن قال " بلى " كان لا محالة. وكذلك إذا استعملا تلقيا لقضية حملية نطق بها قائل مخبرا فإنها إذا كانت موجبة فتلقاها السامع بحرف نعم كان تلقيا بالقبول والتصديق وإن تلقاها بحرف لا كان تلقيا بالرد والتكذيب، وإذا كانت سالبة لم يتبين بواحد منهما هل هو تكذيب أو تصديق، ولكن ينبغي أن يتلقى بأن يقال " بلى " حينئذ على مقابل السلب الذي نطق به القائل، مثل أن يقول قائل " لم يذهب زيد " فنقول " بلى " ، نعني به بلى ذهب زيد.
الفصل الحادي والثلاثون:
السؤالات الفلسفية وحروفها
(215) حرف " لم " هو حرف سؤال يطلب به سبب وجود الشيء أو سبب وجود الشيء لشيء. وهو مركب من اللام ومن " ما " الذي تقدم ذكره، وكأنه قيل " لماذا " . وهذا السؤال إنما يكون في ما قد علم وجوده وصدقه أولا إما بنفسه وإما بالقياس. فإن كان بقياس فقد سبق وطلب قياس وجوده بحرف " هل " ، فسؤال " هل " يتقدم سؤال " لم " فيما كان سبيله أن ينفرد فيه سبب وجوده. وربما كان القياس الذي يبرهن به وجوده يعطي مع علم وجوده سبب وجوده، وربما أعطى وجوده فقط فيحتاج حينئذ إلى قياس آخر يعطي بعد ذلك سبب وجوده. فالبرهان الذي يعطي اليقين بوجوده فقط يعرف ب " برهان الوجود " ، والذي يعطي بعد ذلك سبب وجوده يسمى " برهان لم هو الشيء " ، والذي يعطي علم الوجود وسبب الوجود معا يسمى " برهان الوجود ولم هو " ، وهو البرهان على الإطلاق لأنه يجتمع فيه أن يكون مطلوبا به وجوده وسبب وجوده معا، والمطلوب به فيما عدا ذلك هو مطلوب وجوده فقط.
مخ ۶۹