(208) والمطلوب بحرف " كيف " في الذاتية والمطلوب فيه بحرف " ما " والمطلوب فيه بحرف " أي " يكون شيئا واحدا بعينه. فإن قولنا " كيف انكساف القمر " و" ما هو انكساف القمر " و" أي شيء هو انكساف القمر " يطلب بها كلها شيء واحد. فإن الجواب عن " كيف انكساف القمر " هو أنه " يحتجب بالأرض عن الشمس " ، والجواب عن " أي شيء هو انكساف القمر " هو هذا بعينه، وكذلك الجواب عن " ما هو انكساف القمر " . غير أنه من حيث يجاب به في جواب " أي شيء هو " إنما يؤخذ مميزا بينه وبين غيره في ما به وجوده وقوامه. ومن حيث هو في جواب " كيف هو " إنما تؤخذ ماهيته التي هي صيغته بالإضافة إلى ذاته لا من حيث هو مميز له عن غيره، على مثال ما عليه الأمر في الطلوب بحرف " ما " . وأما حرف " ما " فإن المطلوب به ماهيته التي هي جنسه، كانت تلك من جهة مادته أو من جهة صورته أو منهما. فلذلك صار يليق عند السؤال بحرف " ما " أن يجاب بجنس ذلك النوع المطلوب بما هو، ولا يليق أن يجاب بجنسه إذا قيل فيه " كيف هو " . ويفارقان حرف " ما " فيما عدا هذه فإن الذي يسأل عنه بحرف كيف في شخص شخص قد يليق أن يطلب بحرف " أي " ويليق أن يجاب به في جواب " أي " - مثل أن نقول " زيد أيما هو " فيقال " هو ذاك المصفر " ، ويقال " كيف زيد في لونه " فيقال " هو مصفر " - غير أن الجواب بهذا الشيء الواحد في السؤالين ليس بجهة واحدة بل إنما يؤخذ في جواب " أي شيء " من حيث أخذ مميزا بينه وبين غيره، ويجاب به في جواب " كيف " ليعرف به حال في نفسه لا بالإضافة إلى آخر غيره. ثم إن الجواب عن السؤال في شخص شخص بحرف " أي " قد يكون بأي شيء ما اتفق مما يمكن أن يميز بين المسؤل عنه وبين غيره. فإنا إذا قلنا " أيما هو زيد " فقد بقال لنا " هو ذاك الذي يتكلم " أو " ذاك الذي عن يمينك " أو " ذاك الطويل " أو " ذاك الذي كان يناظر منذ ساعة " . وليس شيء من هذه يجاب به عن سؤالنا " كيف زيد " . والتي يجاب بها في السؤال عن شخص شخص " كيف هو " هي الكيفيات التي أحصاها أرسطوطاليس في كتاب " المقولات " وجعلها أربعة أجناس.
(209) وقد نقول " كيف وجود هذا المحمول في هذا الموضوع " نعني
به أسالب هو أم موجب، وهو يشارك في هذا الحرف " هل " . ونعني به أيضا هل وجوده له وثيق غير مفارق في بعض الأوقات، فإن جهات القضايا قد يقال إنها كيفيات وجود محمولها لموضوعاتها. وقد نقول " كيف صارت السماء كرية " و" كيف رأيت واعتقدت وقلت إن السماء كرية " ، نطلب به الأشياء التي إذا ألفت حصل بها أنالسماء كرية أو صح بها اعتقادنا أنها كرية. وهو شبيه بقولنا " كيف ينمو النامي " و" كيف يبنى الحائط " ، فإنه كما يجاب في تلك باقتصاص الأشياء التي إذا رتبت وألفت التأم منها الحائط والنبات، أو البناء والنامي، كذلك يجاب ههنا بأن تذكر وتقتص الأشياء التي إذا رتبت وألفت التأم عنها بأن يصح ويعتقد أنها كرية أو يقال إنها كرية، وذلك أن يذكر القياس أو البرهان الذي عنه يلزم ويصح أن السماء كرية، وهو أيضا ماهية القياس التي بها يلتمس صواب الاعتقاد أن السماء كرية، وهو طلب السبب في أن صارت السماء كرية وطلب الذي به صح عنده أو الذي به علم أنها كرية. والسبب الذي به يصح ويعلم ذلك هو القياس والبرهان. ويفارق سؤال " هل " أن هذا السؤال - وهو سؤال " كيف صارت السماء كرية " - إنما هو السؤال عما علم السائل أنه قد استقر عند المسؤول أو تحصل من أن السماء كرية. وسؤال " هل " إنما يكون فيما لم يعلم السائل أنه استقر عند المسؤول أحد النقيضين على التحصيل.
الفصل الثلاثون:
مخ ۶۷