(205) ثم ليس هذا إنما يستعمل فقط في السؤال عن الأجسام الصناعية لكن في كثير من الطبيعيات، كقولنا " كيف انكساف القمر " و" كيف ينكسف القمر " ، فليس يكون الجواب عن ذلك أنه " سريع " أو " بطيء " ، أو " قليل " أو " كثير " ، أو أنه " أسود " أو أنه " أغبر " ، بل الجواب الأسبق إلى لسان المجيب وذهنه أن يقول ما عنده مما به يلتئم الكسوف - مثل أنه " ينقلب وجهه الآخر الذي لا ضوء فيه " ومثل أنه " يدخل في طريقه إلى واد في السماء غابر " أو أنه " يربق إلى مكان في السماء مظلم " أو " يقوم الشيطان في وجهه " أو أنه يحجب بالأرض عن الشمس فلا يقع عليه ضوؤها " . فأي شيء ما أخذ في الجواب فهو ماهية انكسافه عند الذي يجيب.
(206) وكذلك إذا كان السؤال بحرف " كيف " عن نوع نوع - مثل ما لو سألنا فقلنا " الجمل كيف هو " و" الزرافة كيف هي " - لكان الذي يليق أن يجاب به أن توصف لنا أجزاؤه التي بها التئامه وترتيب تلك الأجزاء أو أشكالها إلى أن تجتمع لنا من تلك الجملة ذلك الجسم بالفعل. وليس ذلك شيئا غير خلقته. وما ذلك في المشهور عند الجمهور سوى ماهيته. فإنهم إنما يرون أن ماهيات الأجسام والحيوانات كلها خلق في كل واحد منها. فإن الصيغ والخلق اليت هي ماهية نوع نوع هي التي عنها نسأل بحرف " كيف " في نوع نوع. وأما في أشخاص نوع نوع من هذه فإن التي إياها نطلب بحرف " كيف " فيها أشياء أخر خارجة عن ماهياتها. فلذلك قال أرسطوطاليس في كتاب " المقولات " : " وأسمي باكيفية تلك التي بها يقال في الأشخاص كيف هي " . إذ كان ليس قصده هناك أن يحصي الكيفيات التي هي ماهيات الأنواع، وهي التي بها يقال في نوع نوع " كيف هو " .
(207) والماهية التي هي صيغ وخلق فهي التي بها شعائر الأنواع، وهي الأسبق إلى المعارف أولا، وبها تتميز الأنواع عندنا بعضها عن بعض. والماهية التي هي صيغة فينبغي أن تؤخذ على ما عند إنسان إنسان من الجهة التي صح بها عنده أنها ماهيته. فإن الذي هو عند إنسان ما ماهية شيء قد يمكن أن يكون عند كل إنسان جنسا. فإن كل إنسان إذا أجاب عن أمثال هذا السؤال بشيء فإنما يجيب بالذي هو عنده ماهية ذلك الشيء الذي عنه يسأل. وليس كل ما يعتقد فيه أنه ماهيته هو ماهيته، بل ماهيته التي هو بها بالفعل. والتي ماهيات نوع نوع ليست هي التي عنها يسأل بحرف " كيف " في شخص شخص. وهذه كلها تسمى كيفيات. وتلك الكيفيات ذاتية، وهذه كيفيات غير ذاتية.
مخ ۶۶