حلل سندسي
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
ژانرونه
وصارت تلك الأرجاء للكفر معرجا ، ونسأل الله تعالى، الذي جعل للهم فرجا، وللضيق مخرجا، أن يعيد إليها كلمة الإسلام، حتى يستنشق أهله منه فيها أرجا. آمين! (ومن غرائب الأندلس) البيلتان
649
اللتان بطليطلة، صنعهما عبد الرحمن، لما سمع بخبر الطلسم الذي بمدينة أرين من أرض الهند. وقد ذكره المسعودي، وأنه يدور بأصبعه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فصنع هو هاتين البيلتين خارج طليطلة، في بيت مجوف، في جوف النهر الأعظم، في الموضع المعروف بباب الدباغين ومن عجبهما أنهما يمتلئان وينحسران مع زيادة القمر ونقصانه، وذلك أن أول انهلال الهلال يخرج فيهما يسير ماء، فإذا أصبح، كان فيهما سبعهما من الماء، فإذا كان آخر النهار كمل فيها نصف سبع ولا يزال كذلك بين اليوم والليلة نصف سبع حتى يكمل في الشهر سبعة أيام وسبع ليال، فيكون فيهما نصفهما، ولا تزال كذلك الزيادة نصف سبع في اليوم والليلة، حتى يكمل امتلاؤها بكمال القمر، فإذا كان في ليلة خمسة عشر، وأخذ القمر في النقصان، نقصتا بنقصان القمر كل يوم وليلة نصف سبع. فإذا كان تسعة وعشرون من الشهر لا يبقى فيهما شيء من الماء. وإذا تكلف أحد حين ينقصان أن يملأهما، وجلب لهما الماء، ابتلعتا ذلك من حينهما حتى لا يبقى فيهما إلا ما كان فيهما في تلك الساعة. وكذا لو تكلف عند امتلائهما إفراغهما، ولم يبق منهما شيئا، ثم رفع يده عنهما، خرج فيهما من الماء ما يملأهما في الحين. وهما أعجب من طلسم الهند، لأن ذلك في نقطة الاعتدال، حيث لا يزيد الليل على النهار. وأما هاتان فليستا في مكان الاعتدال، ولم تزالا في بيت واحد، حتى ملك النصارى، دمرهم الله! طليطلة، فأراد الفنش
650
أن يعلم حركاتهما، فأمر أن تقلع الواحدة منهما لينظر من أين يأتي إليهما الماء، وكيف الحركة فيهما، فقلعت، فبطلت حركتهما، وذلك سنة 528.
وقيل أن سبب فسادهما حنين اليهودي الذي جلب حمام الأندلس كلها إلى طليطلة في يوم واحد، وذلك سنة 527، وهو الذي أعلم الفنش أن ولده سيدخل قرطبة ويملكها، فأراد أن يكشف حركة البيلتين، فقال له: أيها الملك، أنا أقلعهما وأردهما أحسن مما كانتا، وذلك أني أجعلهما تمتلئان بالنهار وتحسران في الليل. فلما قلعت لم يقدر على ردها، وقيل أنه قلع واحدة ليسرق منها الصنعة فبطلت، ولم تزل الأخرى تعطي حركتها. والله أعلم بحقيقة الحال.
وقال بعضهم في أشبيلية: إنها قاعدة بلاد الأندلس، وحاضرتها، ومدينة الأدب واللهو والطرب، وعلى ضفة النهر الكبير، عظيمة الشأن، طيبة المكان، لها البر المديد والبحر الساكن، والوادي العظيم، وهي قريبة من البحر المحيط، إلى أن قال: ولو لم يكن لها من الشرف إلا موضع الشرف المقابل لها، المطل عليها، المشهور بالزيتون الكثير، الممتد فراسخ في فراسخ، لكفى، وبها منارة
651
في جامعها، بناها يعقوب المنصور، ليس في بلاد الإسلام أعظم بناءا منها. وعسل الشرف يبقى حينا لا يترمل ولا يتبدل، وكذلك الزيت والتين. وقال ابن مفلح: إن أشبيلية عروس بلاد الأندلس لأن تاجها الشرف، وفي عنقها سمط النهر الأعظم، وليس في الأرض أتم حسنا من هذا النهر، يضاهي دجلة والفرات والنيل، تسير القوارب فيه للنزهة والسير والصيد تحت ظلال الثمار، وتغريد الطيار، أربعة وعشرين ميلا، ويتعاطى الناس السرح من جانبيه عشرة فراسخ، في عمارة متصلة، ومنارات مرتفعة، وأبراج مشيدة، وفيه من أنواع السمك مالا يحصى، وبالجملة فهي قد حازت البر والبحر، والزرع والضرع وكثرة الثمار من كل جنس، وقصب السكر. ويجمع منها القرمز الذي هو أجل من اللك الهندي وزيتونها يخزن تحت الأرض أكثر من ثلاثين سنة، ثم يعتصر فيخرج منه أكثر مما يخرج منه وهو طري. انتهى ملخصا.
ولما ذكر ابن اليسع الأندلس قال: لا يتزود فيها أحد ما حيث سلك، لكثرة أنهارها وعيونها، وربما لقي المسافر فيها في اليوم الواحد أربع مدائن، ومن المعاقل والقرى ما لا يحصى، وهي بطاح خضر، وقصور بيض. قال ابن سعيد: وأنا أقول كلاما فيه كفاية: منذ خرجت من جزيرة الأندلس، وطفت في بر العدوة، ورأيت مدنها العظيمة كمراكش وفاس وسلا وسبته، ثم طفت في أفريقية ، وما جاورها من المغرب الأوسط ، فرأيت بجاية وتونس، ثم دخلت الديار المصرية، فرأيت الإسكندرية والقاهرة والفسطاط. ثم دخلت الشام فرأيت دمشق وحلبا وما بينهما لم أر ما يشبه رونق الأندلس في مياهها وأشجارها، إلا مدينة فاس بالمغرب الأقصى ومدينة دمشق بالشام. وفي حماة مسحة أندلسية. ولم أر ما يشبهها من حسن المباني والتشييد والتصنيع إلا ما شيد بمراكش في دولة بني عبد المؤمن،
ناپیژندل شوی مخ