192

حلل سندسي

الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)

ژانرونه

فنظرتها قرطبة شذرا، وقالت: لقد كثرت نذرا، وبذرت في الصخر الأصم بذرا، كلام العدي ضرب من الهذيان، وإني للإيضاح والبيان متى استحال المستقبح مستحسنا، ومن أودع أجفان المهجور وسنا، أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا؟! يا عجبا للمراكز تقدم على الأسنة، وللأثغار

614

تفضل على الأعنة ! إن ادعيتم سبقا فما عند الله خير وأبقى، لي البيت المطهر الشريف، والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف، في بقيعي محل الرجال الأفاضل، فليرغم أنف المناضل، وفي جامعي مشاهد ليلة القدر، فحسبي من نباهة القدر، فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى، ولا أرضى له أن يوطئ غير ترابي نعلا، فأقروا لي بالأبوة، وانقادوا لي على حكم النبوة، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، وكفوا عن تباريكم ذلكم خير لكم عند باريكم.

فقالت غرناطة: لي المعقل الذي يمتنع ساكنه من النجوم، ولا تجري إلا تحته جياد الغيث السجوم، فلا يلحقني من معاند ضرر ولا حيف، ولا يهتدي إلي خيال طارق ولا طيف، فاستسلموا قولا وفعلا، فقد أفلح اليوم من استعلى، لي بطاح تقلدت من جداولها أسلاكا، وأطلعت كواكب زهرها فعادت أفلاكا، ومياه تسيل على أعطافي كأدمع العشاق، وبرد نسيم يردد ماء المستجير بالانتشاق، فحسني لا يطمع فيه ولا يحتال، فدعوني فكل ذات ذيل تختال، فأنا أولى بهذا السيد الأعدل، وما لي به من عوض ولا بدل، ولم لا يعطف علي عنان مجده ويثني، وإن أنشد يوما فإياي يعني:

بلاد بها عق الشباب تمائمي

وأول أرض مس جلدي ترابها

فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون، وتتأخرون في ميداني وتتقدمون؟ تبرأوا إلي مما تزعمون، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.

فقالت مالقة: أتتركوني بينكم هملا، ولم تعطوني في سيدنا أملا؟ ولم ولي البحر العجاج، والسبل الفجاج، والجنات الأثيرة، والفواكه الكثيرة؟! لدي من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل، ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل، فما لي لا أعطى في ناديكم كلاما، ولا أنشر في جيش فخاركم أعلاما؟! فكأن الأمصار نضرتها ازدراء، فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراء، لأنها موطن لا يحظى منه بطائل، ونظن البلاد تأولت فيها قول القائل:

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من إجابته السكوت

ناپیژندل شوی مخ