وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
مَتَى تقولُ: القُلُصَ الرَّواسِمَا ... يُدْنِينَ أمَّ قاسَمٍ وقاسِمًا؟
هذا البيت: لهدبة بن الخشرم العذري.
والصواب: أم حازمٍ وحازما.
وأم حازم: اخت زيادة بن زيد العذري، وحازم ابنها. وكان هدبة بن خشرم، وزيادة بن زيد - وهما ابنا عمٍ - قد جمعهما سفر، وهم حجاج، ومع هدبة أخته فاطمة، فاعتقبوا سوق الإبل، فنزل زيادة بن زيد، وجعل يقول - وهو يحدو الإبل: -
عُوجِي عَلَيْنَا وارْبَعِي يا فَاطِمَا ... ما دُونَ أنْ يرَى البْعيرُ قَائِمًا
وهي أبيات كثيرة، فلما سمعه هدبة يتغزل بأخته غضب، ونزل عن بعيره وجعل يحدوا، ويقول:
لَقَدء أُرَانَي وَالغُلامَ الحازِمَا ... نُزْجِي الْمِطيَّ ضُمْرًا سَوَاهِما
مَتَى تَقُولُ الزُّبلَ السَّواهِمَا ... والجّلة النَّاجِية الْعَياهِمَا
يَبْلُغْنَ أمَّ حَازِمٍ وَحَازِمَا ... إذَا هَبْطنَ مُستَحيرًا قَاتِما
وَرَجَّعَ الحادِي لَهَا الْهمَاهِمَا ... أَرْجفْن بالسَّوالف الجماجِمَا
تسمعُ للمرْوِ بِه الْقَمَاقِما ... كمَا يُطِنُّ الصَّيْرفُ الدَّراهما
ألاَ تَرَيْنَ الدَّمع مِنِّي سَاجِما ... حَذَارَ دَارٍ منْك أن تلائِما
والله لا يشْفى الفؤاد الهْائِمَا ... تَمْسَاحُنَا اللَّباتِ والمآكما
ولا اللِّمَام دون أن تلازِما ... ولا اللّزام دونَ أن تُفَاقِمَا
ولا الفِقَامَ دون أنْ تُفاغِمَا ... وتركَبُ القوائمُ الْقَوائِمَا!
فغضب زيادة، وكان بينهما شر، فكان ذلك سببًا أدى هدبة إلى قتل زيادة، ثم قتل هدبة.
ومعنى نزحي: تسوق برفق، والمطي: الإبل، والسواهم المتغيرة من السفر، والزبل: الضوامر، والرواسم: التي ترسم في الأرض أي تؤثر فيها بأخفافها، والجلة: الكبار من الإبل، واحدها: جليل.
والناجية: السريعة، والعياهم: الحسنة الخلق.
والمستحير: القفر الخالي، الذي يحار فيه، والقاتم: الكثير القتام، وهو الغبار، والحادي: الذي يحدو الإبل، أي يسوقها، والهمام الأصوات، وترجيعها: تكريرها.
ومعنى أرجفن: والسوالف: صفحات الأعناق، والجماجم الرءوس، والمرو: الحجارة، والقماقم الأصوات، والمآكم رءوس الأوراك، واللبات: موضع الحلي، واللمام: الزيادة، واللزام: المعانقة، والفقام - والمفاقمة -: التقبيل، ووضع الفم على الفم، والمفاغمة: شم الرائحة الطيبة، ولا يكون إلا في الرائحة الطيبة.
والقلص: جمع قلوص، وهي الفتية من الإبل.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
سَمِعْتُ النَّاسَ يَنْتَجِعُونَ غَيْثًا ... فقلتُ لصَيْدَحَ انتجِعِي بَلاَلًا
هذا البيت: لذي الرمة، يمدح به بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.
ومعنى ينتجعون: يقصدون ويطلبون.
والغيث: يكون المطر، ويكون النبات الذي ينبت عنه، وهو من تسمية الشيء باسم الشيء، إذا كان منه بسبب، قال زهير:
وغَيْثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ حُوٍّ تلاَعُهُ ... أَجابَتْ روابِيه النجاء هواطِله
وصيدح: اسم ناقته.
ويروى أن بلالًا، لما سمع هذا البيت، قال: يا غلام مر له بقت ونوىً، أراد أن ذا الرمة لا يحسن المدح، والقت: الرطب من الشعير.! ويروى الناس - بالرفع والنصب فمن رفع فعلى الحكاية، ولم يسمع هو ذلك، وإنما سمع قائلا يقول: الناس ينتجعون غيثا، فحكى ما سمع.
ومن نصب الناس فهو الذي يسمع ذلك منهم.
ويجب أن يكون في الكلام مضاف محذوف، كأنه قال: سمعت قول الناس؛ لأن الأشخاص لا تسمع، وإنما يسمع أصواتها وكلامها، فإذا قلت: سمعت زيدًا يقول كذا، فإنما التقدير: سمعت كلام زيد، ويقول جملة موضعها نصب على الحال، وكذلك ينتجعون في رواية من نصب الناس.
وزعم الفارسي في الإيضاح أن سمع يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان مما يسمع، كقولك: سمعت كلام زيد.
وإن كان مما لا يسمع تعدي إلى مفعولين، كقولك سمعت زيدًا يقول كذا وكذا؛ فتقديره عنده في موضع المفعول الثاني.
1 / 72