هذا البيت: لزيادة الأعجم وهو زياد بن جابر، وهو من عبد القيس.
وزياد: اسم منقول، وهو مصدر زايدته مزايدة وزيادا.
وسمي: أعجم، للكنةٍ كانت في لسانه.
وبعد هذا البيت:
وما شرِبتْه جَرْمُ وَهْوَ حِلٌ ... ولا غَالَتْ بِهِ مُذْ كانَ سُوقُ
فَلَمَّا أنزل التَّحْرِيم فيها ... إذَا الجَرْميّ مِنْها ما يُفيقُ
أراد ب سويق الكرم: الخمر، كنى عنها بالسوبق؛ لانسياقها في الحلق، وطيبها عند الشاربين لها.
وقوله: وما جرم وما ذاك السويق، احتقار منه لجرم والسويق الذي سألته، كما تقول: ما أنت وذاك وزيد، وفي الكلام - وإن كان موفوعا معطوفا - معنى مع.
وفيه شاهد على أن ما إذا تكرر ذكرها مع الإسم، ارتفع ولم يجز النصب، ألا ترى أنك تقول: ما أنت وقصعة من ثريد، فترفع القصعة وتنصبها، والرفع أجود لخلو الجملة من فعل؟! ولو أظهرت ما مرة ثانية، فقلت: ما أنت، وما قصعة من ثريد، لم يجز النصب بوجه.
ولو أسقطت ما الثانية من بيت زياد، فقلت: وما جرم وذاك السويق؟ رفعت ونصبت! وأما معنى الشعر: فإنه هجا جرمًا، ووصفها بخساسة القدر، واستحلالها ما حرم الله، من شرب الخمر، فقال: إن جرمًا في الجاهلية قبل تحريم الخمر، لم تكن - ممن يصل إلى شرب الخمر، لنفاستها عند الناس، وغلاء ثمنها، فلما حرمها الله تعالى، وترك الناس شربها، ورخص ثمنها وصلت جرم حينئذ إلى شربها، ولم تبل، بتحريم الله تعالى لها.! وأنشد أبو القاسم في هذا الباب.
فَمَا أنا والتَّلَدُّدَ حَوْلَ نَجْد ... وقد غُصَّتْ تِهامَةُ بالرِّحَالِ
هذا البيت: لمسكين الدارمي، واسمه ربيعة بن عامر، مسكين لقب له، ولذلك قال في شعره:
وسُمّيتُ مِسْكينًا وما بِيَ حَاجةُ ... وإنِّي لمسْكِينٌ إلى الله راغبُ
والتلدد: التبختر، وأصله من الديدين، وهما صفحتا العنق، فمعنى التلدد أن ينظر الإنسان يمينًا وشمالا فيثنى لديديه، والديدان: جانبا الوادي فكأن معنى التلدد: أن ينظر افنسان في هذا الشيء مرة، وفي هذا الشيء مرة، ونجد بلد مرتفع، وتهامة منخفضة.
ومعنى غصت: امتلأت، وكل شيء قد أختنق بشيء، فقد غص به، طعامًا كان أو غيره.
وتهامة: اسم واقع على جزيرة العرب ما بين عدن إلى أطراف الشام، في الطول، وأما في العرض: فمن جدة وما والاها من شاطئ البحر إلى أقصى العراق.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ما بين حصن أبي موسى، إلى أطوار الشام، إلى أقصى تهامة في الطول.
وأما في العرض: فما بين رمل يبرين، إلى منقطع السماوة إلى ما وراء مكة.
قال: وما دون ذلك إلى أرض العراق فهو نجد - بفتح النون وتسكين الجيم - وهذيل يقولون: نجد - بضم النون والجيم - كأنهم جمعوا نجدا: أنجادًا، ثم جمعوا أنجادًا على نجد، قال الشاعر:
نَذُق بَرْد نَجْد بعد ما لعبتْ بِنَا ... تِهامةُ في حَمَّامِها المتوقِّدِ
وقال الراجز في اللغة الأخرى:
يَوْمًا تهاميُّ، ويَوْمًا بالنُّجُدْ
وقوله: غصت تهامة بالرجال جملة في موضع الحال نصبًا، والباء في قوله بالرجال متعلقة بغصت.
يقول: كيف أقيم بنجد، وقد نهض الناس إلى تهامة، فيجب أن أنهض إليها، كما نهضوا.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
فما أَنا والسَّيْرَ في مَتْلَفٍ ... يُبَرِّح بالذَّكر الضَّابِطِ
هذا البيت: لأسامة بن حبيب وقال السكري: هو أسامة ابن الحارث بن حبيب الهذلي، ويكنى أبا سهم.
وأسامة. اسم منقول من الأسد، ويجوز أن يكون مشتقا من الوسم، وهو أثر الكي.
وقال غيره: من الوسامة، وهي الحسن والجمال، والهمزة مبدلة من الواو، كما أبدلت في أجوه وأقتت.
والحارث، وحبيب: اسمان منقولان، قد تقدم ذكرهما.
وأما هذيل فيمكن أن يكون تصغير هذلول على وجه الترخيم، وأن يكون أيضًا تصغير مهذول على جهة الترخيم، وهو المضطرب قال الراجز:
يَعْلوُ الهذاليل ويعْلوُ القردَدَا
وهذا ليل الرياح: أواخرها، واحدها هذلول، قال الراجز:
إمَّا يزالُ قائلٌ أَبِن أبِن ... هوْ ذَلَة المشآة عن ضِرس اللَّبن
1 / 69