والباء في قوله: بفضل متعلقة بقوله: تتلفع، فلا موضع لها أيضًا، ومعنى البيت: أنه يمدح دعدا فقال: لم تكن من البدويات اللواتي بتلفعن بالمآزر، ويشربن اللبن بالعلب، ولكنها كانت من الحضريات اللواتي نشأن في النعمة، ولبسن أحسن كسوة، وشربن في الأواني الغالية، وعشن في الرفاهية!. ويروى؛ ولم تسق.
ويجوز في دعد - الأولى - الصرف وترك الصرف، ولا يجوز الصرف في الثانية؛ لانكسار البيت.
وكرر ذكر دعد إشادة بذكرها، واستطابة له، كما قال الآخر:
عِذاب على الأفواه ما لم يذقْهم ... عَدُوُّ، وبالأفواه أسْمَؤهم تَحْلُو
وقد أوضح هذا المعنى أبو الطيب المتنبي في قوله يمدح عضد الدولة:
أَبَا شُجَاعٍ بفارِس عَضَدض الدَّ ... وْلضة فنَّا خُسْرَ، وشَهَنْشَاهَا
أسَامِيًا لم تَزِدْهُ مَعْرفَةً ... وإِنَّمَا لَذَّةً ذكَرْنَاهَا
وشعر ابن الرقيات هذا، ضد قول الآخر:
لعمري لأعرابِيَّة ذاتُ بُرْدَة ... تحلّ دماثا من سويقة أو فردًا
أحب إلى القلب الذي لَجَّ في الهوى ... من اللاّبِسَاتِ الخزَّ، يُظهرن به كنْدًا
وأنشد أبو القاسم في باب: أسماء القبائل والأحياء والبلدان والسور - رحمه اللع تعالى -:
فَإن تَبْخَلْ سَدُوسُ يِدِرْ هَمَيْهَا ... فَإنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ قَبُولُ
هذا البيت: للأخطل، وقد ذكرنا اسمه فيما تقدم.
وسدوس: قبيلة من بني شيبان - بفتح السين، والتي من طيئ بضم السين، هكذا قول الكلبي، وقد ذكرنا في الكتاب الأول ما بين سيبويه - رحمه الله تعالى - وبين محمد بن يزيد من الخلاف في هذه اللفظة، فاغناها ذلك عن الإعادة ههنا.
والقبول من الرياح: ما يهب من الشرق.
ويروى شمول: وهي الشمال، يقال: شمال، على مثال: قذال، وشمال - الميم قبل الهمزة -، وشأمل - الميم بعد الهمزة -، وشمل مثل: فلس: وشمل على مثال: اسد، وشمول، قال امرؤ القيس:
فَتُوضِح فالمِقْراةُ لم يعْفُ رسْمُها ... لما نَسجَتْهَا مِن جَنُوبٍ وشَمْأَلِ
ويروى: وشأمل.
وقال البعيث المجاشعي:
أهاجَ عليكَ الشَّوق أطلالُ دمنَةٍ ... بِنَاصِفَةِ الخُوَّيْنِ أو جانب الهْجَل
أتى أبدٌ منْ دون حِدْثَانِ عهدها ... وجَرَّتْ عَلَيْها كلُّ نافَجةٍ شَمْل
ثَوَى مَالِكٌ ببلاد الْعَدُوْ ... وِ تَسْفِي عَليْه رِيَاحُ الشَّمَل
وأما تخصيصه الدرهمين بالذكر؛ فتوهم بعض من شرح أبيات الجمل: أنه مما وقعت فيه التثنية موقع الجمع، وليس كما قال!.
وإنما ذكر الدرهمين لمعنى يقتضى ذلك.
وذلك أن الأخطل قدم على الغضبان بن القبعثري الشيباني بالكوفة، بعد ذهاب ما كان من بكرٍ وتغلب من الفتنة، يسأله في حمالةٍ!.
فقال له الغضبان: إن شئت أعطيتك ألفين، وإن شئت درهمين؟.
فقال الأخطل: ما بال الألفين، وما بال الدرهمين؟ فقال: إن أعطيتك الألفين، لم يعطكهما إلا قليل!.
وإن أعطيتك درهمين: لم يبق بالكوفة بكسرى إلا اعطاك درهمين، وكتبت لك إلى إخواننا بمثل ذلك.
فقال الأخطل: فالدرهمان خير!.
ففرض له على كل من كان بالكوفة من بكر بن وائل درهمين، ثم كتب إلى سويد بن منجوف السدوسي بالبصرة - وكان سيد بني سدوس يقول له: إن أبا مالك قدم علي في حمالةٍ، ففرضت له على كل من كان بالكوفة من بكر: درهمين، فافرض له على من كان من بني سدوس مثلها.
فأتى الأخطل إلى البصرة، فنزل على الصلت بن حريث الحنفي، فأتى سويدًا، فأخبره بحاجته التي أقدمته.
فجمع سويد بن منجوف: بني سدوس، وقال: هذا أبو مالك يسألكم أن تعينوه في حمالةٍ، وهو القائل:
إذَا مَا قُلْتُ قَدْ صَالَحْتُ بَكرًا ... أبَى الأضغانُ لا النَّسب البعيد
ومُهْراقُ الدِّماء بِوَارِدَاتٍ ... تَبِيدُ الحادِثَاتُ وَلاَ تَبِيدُ
هُمَا اْخَوان يصْطَلِيان نارًا ... رِداءٌ الموْتِ بَيْنَهُمَا جديدُ
يَشُولُ ابنُ اللَّبُون إذَا رآني ... ويَخْشاني الضُّواضيَةُ الصَّعيد
فلا جُرحت يَدَيّ: بَني سَليم ... ولاّ شِعْري فيهجوني الشريدُ
1 / 54