لعلَّك يوما أنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... مِنَ اللاَّئي يَدَعْنك أَجْدَعَا
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
قَدْ كادَ مِنْ طُولِ الْبشليَ أنْ يِمْصَحَا
هذا البيت: ينسب إلى رؤبة بن العجاج، ولم أجده في شعر رؤبة، ورؤبة: اسم منقول، وله أحد عشر معنى، قد ذكرتها في كتاب: الاقتضاب، وفي كتاب: المثلث.
والعجاج: اسم منقول؛ لأن العجاج مثير العجاج، وهو الغبار، ويقال: العجاج، للكثير العجيج، وقيل: إنه سمي العجاج بقوله:
حتَّى يَعَجَّ عِنْدَها مَنْ عَجْعَجَا
ومعنى يمصج: تدرس آثاره، يصف منزلا، بلى حتى كاد لا يتبين له أثر.
وأنشد أبو القاسم في باب: المفعول المحمول على المعنى:
مثْلَ القَنَافِذ هَدَّا جُونَ قد بَلَغتْ ... نجرانَ، أَوْ يَلَغَتْ سَواءَاتِهم هَجَرُ
هذا البيت: للأخطل، واسمه: غياث بن غوث، هذا قول ابن قتيبة، وقد ذكر غيره، أن اسمه: غويث بن غوث.
وهي أسماء منقولة، ويكنى: أبا مالك، وهو أيضًا منقول؛ لأن أبا مالك كنية الجوع، وكنية الهرم، والشيخ، قال الشاعر:
بِثْسَ قَرينًا يَفَنٌ هَالِك ... أُمُّ عُبَيْدٍ، وأبو مَالِك
وأم عبيد: كنية المفازة، وقال الآخر:
أَبَا مَالكٍ إنّ الْغَوَانِي هَجَرْنَنِي ... أَبَا مَالِكس إنِّي أظنَك دَائِبا
والأخطل: اسم منقول من قولهم: رجل أخطل، إذا كان طويل الأذنين، وإذا كان بذئ اللسان، ويقال: إنما لقب بذلك؛ لن ابني جعيل وأمهعا؛ اختصموا وتحاكموا إليه، فقال:
لَعَمْركَ إنِّنِي وابْنشيْ جُعَيْل ... وأُمَّهُما لأَسْتارٌ لَئيمٌ
فقالوا له: إنك لأخطل، فعلب ذلك عليه! وهذا البيت: من شعر يهجو به جريرا، يقول فيه، قبل هذا البيت:
أَمَّا كُلَيْبُ بن يَرْبُوعٍ فليْسَ لَهَا ... عند التِّفاخر إبرَادٌ ولا صَدَرُ
مُخَلَّفُونَ ويُفْضي النَّاسُ أمرهموهم لغيْب وفي عَمْياء ما شَعروا
شبههم بالقنافذ، لمشيهم بالليل للسرقة والفجور، كما يمشي القنافذ، والقنفذ: يضرب به المثل في السرى بالليل، فيقال: هو أسرى من قنفذ، وهو أسرى من أنقذ - وهو القنفذ.
وهداجون مشاءون، يقال: هدج يهدج، إذا أسرع، والمصدر: الهدج والهدجان، قال العجاج يصف الظليم:
واستبدلِتْ رُسُومُهُ سَفَنَّجا
أَصَكّ نَغْضا لا يَنِي مُسْتهْدَجا
أي: منفرًا.
والسوءات: الأفعال القبيحة.
ونجران، وهجر: بلدان.
وكان الوجه: أن يرفع السوءات؛ لأنها تأتي البلاد، والبلاد لا تأتي إليها، فقلت اضطرارا حين فهم المعنى.
والظاهر من كلام أبي القاسم: أنه إنما جعل الاضطرار في هجر وحدها، لأنه قال: فقلب، لأن السوءات تبلغ هجر، فنصبها ورفع هجر.
وأنشده أبو العباس المبرد، برفع نجران وهجر، وقال: تجعل الفعلين للبلدين على السعة - وهذا هو الصحيح! وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
غَدَاة أَحلَّتْ لبْن أَصْرَم طعْنةٌ ... حُصَيْنٍ، عَبِيطاتِ السِّدَائِفِ، والخَمْرُ
هذا البيت: للفرزدق.
والعبيط اللحم الطري، والسدائف: سمين السنام وغيره، مما غلب عليه السمن، وكان حصين بن أصرم قد قتل له قريب، فحرم على نفسه شرب الخمر، وأكل اللحم العبيط، حتى يقتل قاتله، فلما طعنه وقتله أحلت له الخمر، وأكل اللحم.
وكان ينبغي أن يرفعها، وينصب العبيطات والخمر إلا أن الشعر موفوع القوافي، فاضطر إلى قلب الكلام عن وجهه، فقال في ذلك الفرزدق.
وَمَغْبوقة قبْلَ العيال كأنَّها ... جرادٌ إِذَا أْجلَى عَن الْفَزَعِ الْفَجْرُ
عوايِسُ ما تَنْفَكُّ تَحْتَ بُطُونِهَا ... سَرايبلُ أبْطَالٍ بَنَائِقُهَا حُمْرُ
تركْنَ ابنض ذِي الجْدَّيْن يَنْشِجُ مسْنَدًا ... وليس له إلاّ ألاَءته قبر
وهُنَّ بِسَرْحَافٍ تَدَاركْنَ دَالِقًا ... عُمَارَةَ عَبْس، بَعْدَ مَا جَنجَ الْعَصرُ
وهُنَّ على خَدَّيْ شُتَيْر بْن خَالدٍ ... أُثيرَ عَجَاجٌ مِنْ سَنَابِكها كدْرُ
غَدَاةَ أُحَلَّتْ لابْنِ أصْرَم طَعْنَه ... حُصَيْنٍ عبيطاتِ السَّدائف والخَمْرُ
1 / 50