وقد يجوز أن تكون سراة جمع سري، وجاز أن يكسر: فعيل على فعلة: من حيث كان فعيل: وفاعل: يشتر كان في المعنى الواحد، فيقال: عليم وعالم، وقدير وقادر؛ فقد اشتركا في جمعهما، كما اشتركا في مفردهما، وكما قالوا: عالم، وعلماء، وشاعر، وشعراء، وباب فعلاء في الجمع إنما هو الفعيل، نحو: حكيم وحكماء، وبصير وبصراء.
وقيل: إن سراة اسم الجمع، واستدل قائل هذا بقولهم: سرواتهم قصار، بمنزلة: قطاة وقطوات.
وحجة من ذهب إلى المذهب الأول: أن الجمع قد يجمع.
والباء في قوله: بألفي مدجج، تتعلق بظنوا، فلا موضع لها لتعلقها بظاهر: وأما الباء في قوله: بالفارسي؛ فإن اعتقدت أن سراتهم: مبتدأ، وبالفارسي: خبره، فالباء متعلقة بمحذوف، ولها موضع، كأنه قال: سراتهم متدرعة بالفارسي المسرد، أو مستلئمة.
وإن اعتقدت أن سراتهم: مرتفعة بمدجج، فالباء متعلقة بمدجج، ولا موضع لها من الإعراب لتعلقها بظاهر.
ومن اعتقد هذا الاعتقاد، رفع سراتهم على المفعول الذي لم يسم فاعله، إن فتح الجيم، وعلى الفاعل إن كسر الجيم، كأنه قال: بألفي فارسي، وقد دججت سراتهم أنفهم بالفارسي، فحذف المفعول كما قال النابغة الجعدي:
حتَّى لحقْنَاهُمْ تُعْدِي فوارسُنا ... كأننا رَعْنُ قُفٍّ يرفع الآلا
أراد: تعدي فوارسنا الخيل، وقد تقدم مثله.
وأنشد أبو القاسم في باب أفعال المقاربة:
عَسَى الكرْبُ الَّذِي أمْسَيْتُ فِيهِ ... يكونُ وَرَاءَهُ فرجٌ قَريبُ
هذا البيت: لهدبة بن الخشرم العذري.
وهدبة، وخشرم - معًا - من الأسماء المنقولة.
أما هدية: فهو من هدب، الثوب، أو من هدب الأرطي، وهو ورقها، والمشهور في الأرطي: أن يقال: هدبة وهدب، كما يقال: شجرة وشجر. إلا أن ابن جني حكى أنه يقال: هدب على مثال هدب الثوب.
والخشرم: جماعة النخل، ولا واحد لها من لفظها، أنشد ابن جني للشنفري:
إذا الخَشْرَمُ المبْعُوثُ حَثْحَثَ دَبْرهُ ... مَحابيضُ أَرْدَاهن سَامٍ مُعَسِّلُ
وهذا الشعر قاله هدبة، وهو مسجون بالمدينة.
وكان السبب في ذلك: انه وقع بينه وبين رجل من بني عمه: زياد ابن زيد ملاحاة، فقتله هدبة، فرفعه أخوه عبد الرحمن إلى معاوية، فقرره معاوية، فقال: إن شئت أجبتك بنثر، وإن شئت أجبتك بنظم.
فقال معاوية: بل ينظم، فإنه أمتع! فأنشده شعرا يقول فيه:
رُمِينا فَراميْنا فَصَادَفَ سَهْمنا ... منايا رجال في كتاب وفي قَدْرِ
وأنْت أمِيرُ المؤمنين فَمَا لَنَا ... وَرَاءَك من معدًى ولا عنْك من قَصْرِ
فإن تَكُ في أمْوَالِنا لَمْ نَضِقْ بها ... ذِرَاعا وإنْ صبْرٌ، فَنَصْبِر للِصَّبْر
فقال معاوية أراك اعترفت بقتل صاحبهم!: فقال: هو ما سمعت!.
فعرض معاوية على عبد الرحمن الدية، ليقبلها، وعرض عليه أكابر قريش سبع ديات، فأبى أن يقبلها!.
وكان لزياد المقتول ابن يقال له: المسور، لم يبلغ الحلم، فقال معاوية: ابنه أولى يطلب دمه، فليحبس هدبة، حتى يبلغ ابنه فربما رضي بالدية.
فحبس سبع سنين حتى بلغ المسور الحلم، وعرض عليه الدية، فأبى إلا قتل هدبة! وزار هدبة أيام اعتقاله رجل من قرابته، يقال له أبو نمير، فأظهر الكآبة بحاله، فقال هدبة:
يؤرِّقُنِي أكتئابُ أَبِي نُميْر ... وقَلْبي مِنْ كآبتهِ كَئِيبُ
فقلتُ له: هداكَ الله مَهْلًا ... وخَيرُ القوْلِ ذو اللُّب المصيبُ!
فيأْمَنَ خائفٌ ويُفَكُّ عانٍ ... ويأتي أَهْلَه الرَّجُل الغريبُ
فإنَّا قد حلَلْنا دَارَ بَلْوَى ... ستَخْبِطُنا المنضايَا أو تصيبُ
ألاَ لَيْتَ الرِّيَاحَ مسخَّراتٌ ... لحاجتنا تُبَاكِرُ أو فَأُوبُ
ويروى: أمسيت - بفتح التاء - على المخاطبة لأبي نمير، وأمسيت - بضم التاء - على وجه الإخبار عن نفسه.
وكان في هذا البيت تامة، لا خبر لها، لأنها في معنى: يقع ويحدث.
وأكثرهم يقول: إنه حذف أن من خبر عسى على التشبيه لها بكاد.
والأحسن عندي؛ أن يقال: إن عسى شبهت بلعل؛ لأن كل واحد منهما رجاء وطمع، كما أنهم ربما أدخلوا في خبر لعل: أن تشبيها بعسى، كما قال متمم بن نويرة:
1 / 49