ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثَّاني وَحاجَتُه ... ما فَاتَهُ، وفُضُولُ العيشِ أَشْغَالُ
وقد بين مالك بن الريب ما في هذا المعنى من المحال حين قال:
يقولُونَ: لاَتَبْعَدْ وهم يَدفِنُونَنِي ... وأينَ مكانُ البعدِ إلاّ مَكانيا
وقولها: سم العداة وآفة الجزر: أرادت أنهم كانوا في حياتهم سما لأعدائهم؛ لأنهم كانوا يهلكونهم، وآفة لإبلهم؛ لأنهم كانوا ينحرونها لأضيافهم.
والجزر جمع جزور، وهي الناقة التي تتخذ للنحر.
ويقال: سم وسم بضم السين وفتحها، وزعم الطوسي أنه يقال: سم بكسر السين.
فإن قيل: فكيف قالت: الذين هم، وإنما يتأتى هذا لمن هو موجود؟ وإنما كان ينبغي أن تقول كما قال الآخر:
كانوا على الأعداء نارًا محرقًا ... ولقومهم حِرْمًا من الأحرام؟
فالجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن العرب قد تضمر كان اتكالا على فهم السامع، إذا كان في اللفظ دليل عليها، كقوله تعالى: " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان "، قال الكسائي: أراد ما كانت تتلوا.
وقال الراعي:
أزمانَ قَوْمي والجماعة كالَّذي ... مَنَعَ الرِّحالَةَ أنْ تميل مَمِيلًا
أراد: كان أزمان قومي.
والوجه الثاني: أنها لما دعت لهم ببقاء الذكر، بعد موتهم، صاروا كالموجودين، وكانوا موصوفين بما كانوا يفعلونه.
وقد يجوز أن تكون دعت بقولها لا يبعدن لمن بقي من قومها، أي: لا أبعد الله من بقي من قومي كبعد من مضى منهم، ويقوى هذا قولها بعد هذا البيت:
قومٌ إذا ركبوا سمعتَ لهم ... لَغَطًا من التَّأْيِيه والزَّجْرِ
إن يشْربوا يَهبوا، وإن يَذَروا ... يتواعظوا عن منْطق الهُجْرِ
والخالطين نَحِيتَهم بنُضَارهمْ ... وذَوى الغَني منهم بِذي الفقْرِ
هذا ثنائي ما بَقيتُ لَهُمْ ... فإذا هَلكْتُ أَجنَّني قَبْرِي
ويقوى قول من قال: إنها دعت لمن مات منهم بقولها في هذا الشعر:
لاَقُوا غَدَاةَ قُلابَ حَتْفَهُمُ ... سَوْقَ العَتِير يُساق لِلْعَتْرِ
والعداة: حمع عادٍ، وهو العدو بعينه، ولا يجوز أن يكون جمع عدو؛ لأن فعولا لا يجمع على فعلة، وقد حكى أبو زيد: لا أشمت الله عاديك أي عدوك.
والنزول في الحرب: على ضربين: أحدهما: أول الحرب، وهو أن ينزلوا عن إبلهم ويركبوا خيلهم.
والثاني: في آخرها، وهو أن ينزلوا عن خيلهم، ويقاتلوا على أقدامهم، إذا كان القتال في موضع وعر ضيق، لا مجال فيه للخيل، وربما اعتنق الرجل صاحبه، فسقطا جميعًا إلى الأرض، وهذا هو النزول الذي أراده مهلهل بقوله:
لَمْ يُطيقوا أنْ ينْزِلوا وَنزَلْنا ... وأخو الحرْب مَنْ أطاقَ النُّزولا
وهو الذي أراد عنترة بقوله:
فيهم أخو ثِقَةٍ يُضَاربُ نازلًا ... بالْمَشْرَفيِّ وفارس لم ينْزِل!
والمعترك: موضع القتال، ويقال له: معرك أيضًا، وهو مشتق عن عركت الرحى الحب، إذا طحنته، أرادوا: أنه يطحن من فيه كما تطحن الرحى ما جعل فيها، ولذلك سموه: رحى، قال عنترة:
دارت على القوم رحى طحون
وقد بين ذلك زهير بقوله:
فتعرككم عرْك الرَّحى بثفالها ... وتلقح كشافا ثم تحمل فتفطم
وإذا وصفوا الرجل بطهارة الإزار وطيبة، فهي إشارة وكناية عن عفة الفرج، تريد: أنهم لا يعقدون مآزرهم على فروج زانية! وكذلك طهارة الذيل.
وإذا وصفوا بطهارة الكم أو الردن وهو الكم بعينه أرادوا أنه لا يخون ولا يسرق.! فإذا وصفوه بطهارة الجيب: أرادوا: أن قلبه لا ينطوي على غش ولا مكروه.! وقد يكنون عن عفة الفرج بطيب الحجزة، كما قال النابغة:
رِقاقُ النِّعال طَيِّبٌ حُجُزَاتُهم ... يُحَيَّونَ بالرَّيْحَانِ يوم السَّباسِبِ
والباء في قولها: بكل معترك، بمعنى في، كما يقال: زيد بالبصرة، وفي البصرة.
ومعاقد الأزر: منصو. على التشبيه بالمفعول به، والكوفيون يجيزون نصبها على التمييز، لأن التمييز عندهم يكون نكرة ومعرفة، ويجوز الانفصال في المعرفة، ولا يجوز عند البصريين إلا أن يكون نكرة.
واللغط واللغط بتسكين الغين وفتحها: اللجبة، والأصوات المختلطة.
1 / 2