مِن الكلاَل لا يَذْقنَ عودًا ... لا عَقْلا تبغى ولا قيودًا
والباء متعلقة بسريت، فهي الباء التي تعاقب همزة النقل نحو قولك: ذهبت به، وأذهبته.
وتكل مطيهم جملة في موضع خفض بحتى، وتقديرها تقدير المصدر الساد مسد الظرف، وكأنه قال: إلى حين كلال مطيهم، هذا في رواية من نصب تكل، ونصبه من وجهين مختلفين: أحدهما: بحتى، والثاني: بأن مضمرة.
ورفعه أيضًا على وجهين: أحدهما: أن تقدره بالماضي، والثاني: أن تكون بمعنى الحال.
وأما من رفع تكل فليست الجملة محفوضة الموضع، ولكنها معطوفة، على سريت كأنه قال: سريت بهم حتى كلت مطيهم، وهي حال محكية بعد زمان وقوعها؛ فلذلك تقدر بالفعل الماضي، كأنه قال: سريت بهم حتى صاروا في هذه الحال، والحال تحكى بعد وقوعها كقولك: رأيت زيدًا أمس، وهو راكب، فقولك: وهو راكب حال بالإضافة إلى وقت إخبارك.
وقوله: ما يقدن بأرسان: جملة في موضع رفع، على خبر المبتدأ كأنه قال: حتى الجياد غير مقوداتٍ أو غير مقودة. والباء في قوله: بأرسان متعلقة بيقدن، فلا موضع لها لتعلقها بظاهر.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
ألقى الصحيفةَ كي يُخَفِّفَ رحْلَه ... والزَّاد حتى نَعْلِهِ ألقاها
هذا البيت: ينسبه الناس إلى المتلمس، ولم يقع في ديوان شعره، وإنما هو لابن مروان النحوي، قاله في قصة المتلمس، حين فر من عمرو بن هند حكى ذلك أبو الحسن الأخفش، عن عيسى بن عمر.
فيما ذكره أبو علي الفارسي، وبعده:
ومضَى يظنُّ برِيدَ عمرو خَلفه ... خوفًا وفارَق أرضَه وقلاَها
وإنما قال وفارق أرضه وقلاها لقول المتلمس:
حَنَّتْ إلى النخْلة القُصْوَى فقلت لها ... بسْل عليك ألاَ تلك الدهاريس
أُمِّي شآميَّةً إذ لا عِراقَ لنا ... قوم نوُّدهم إذْ قَومُنا شُوس
لن تَسْلكي سُبُلَ البُوباة منجدةً ... ما عاش عمرو ولا ما عاش قابوس
وكان المتلمس قد هجا عمرو بن هند بشعره الذي أوله:
قولي لعمرو بن هند غير متَّئبة ... يا أخنس الأنْف والأضراس كالعدس
ملك النَّهار، وأمّا الليل مُومسة ... ماء الرِّجال على فخذيك كالقرَسِ
وكان طرفة قد هجاه أيضًا بشعره الذي أوله:
فليتَ لَنا مَكانَ الملكِ عَمرو ... رَغوثًا حوْل قُبتنا تدُور
فاتصل ذلك بعمرو بن هند، ولم يظهر لهما شيئًا من التغير، ثم مدحاه بعد ذلك، فكتب لكل واحد منهما كتابًا، إلى عامله بالحيرة، وأمره فيه بقتلهما إذا وصلا، وأوهمهما أنه كتب لهما بصلة، إلى الحيرة، قال المتلمس لطرفة: كل واحد منا قد هجا الملك، فلو أراد أن يعطينا لأعطانا، ولم يكتب لنا إلى الحيرة، فهلم فلندفع كتبنا إلى من يقرؤها، فإن كان فيها خير دخلنا الحيرة، وإن كان فيها شر فررنا قبل أن يعلم بمكاننا.! فقال طرفة: ما كنت لأفتح كتاب الملك! فقال المتلمس والله لأفتحن كتابي، ولأعلمن ما فيه، ولا أكون كمن يحمل حتفه بيده، فنظر المتلمس: إلى غلام قد خرج من الحيرة، فقال له: أتقرأ يا غلام؟.
قال: نعم.
فقال: هلم فاقرأ هذا الكتاب! فلما نظر إليه الغلام، قال ثكلت المتلمس أمه! فقال لطرفة: افتح كتابك، فما فيه إلا مثل كتابي! فقال: إن كان اجترأ عليك فلم يكن ليجترئ علي، ويوغر صدور قومي بقتلي! فألقى المتلمس صحيفته في نهر الحيرة، وفر إلى الشام وقال:
وألقيتها بالثَّنيِ من جنب كافِرٍ ... كذلك أقْنو كلَّ قِطٍّ مضللِ
رضيتُ لها بالماء لمَّا رأَيتُها ... يحول بها التَّيار في كل جدوَلِ
ولحق طرفة فقتل، ولحق المتلمس بالشام، وهجا عمرا بشعره الذي يقول فيه:
ملك يلاعب أمَّه وقطِينَها ... رخوُ المفاصل، أَيْره كالمِروَدِ
بالبابِ يرصدُ كلّ طالبِ حاجةٍ ... فإذا خلا، فالمرء غير مسدَّد!
وإذا حللْتُ ودون أرضي عادة ... فابرق بأرضِكَ ما بدا لك وارْعَد
روى ألقى الحقيبة وهي الخرج، يحمل فيه الرجل متاعه ونحوه.
1 / 14