شنه اسپينې زړه مړ کیږي په اسفالت سړکونو کې

عبد الغفار مکاوي d. 1434 AH
68

شنه اسپينې زړه مړ کیږي په اسفالت سړکونو کې

الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت

ژانرونه

قد يكون في هذا الحادث دليل آخر على حمقه أكثر منه على ذكائه، أو قد يكون دليلا على أنه كلب حقيقي قد تقمص جسد إنسان! ولكن ماذا تقولون في حادث آخر ربما يزيد في شهرته عن لقائه مع الإسكندر؟

ها هو ذا ديوجينيس قد شاخ وانحنى ظهره الذي لا يفارقه الجراب المتسخ بما يحمل من الصحفة والزاد، وظهرت في يده عصا يتوكأ عليها ويذود بها عن نفسه الصبية والأطفال. إنه الآن جائع مسكين، يود لو كان في مقدوره أن يتخلص من هذا الجوع بتدليك معدته الخاوية؛ ولكن الجوع - كما نقول الآن - كافر، والأغنياء في كل مكان باخلون، وهو مضطر أن يسألهم الصدقة، بل أن يعضهم إن لزم الأمر وأصروا على البخل والعناد، لا أحد يريد أن ينسى أنه كلب، لا أحد يمل الضحك عليه وتجنب طريقه، والخوف على نفسه من أن ينهشه حقا بأسنانه التي لم تعد تذوق طعم اللحم، بل لم تعد تجد بقايا العظام! صحيح أن بعضهم يردد أقواله عن الحرية والشجاعة والقناعة وجمال الروح الحق، وبعضهم - وبخاصة الفقراء والمضطهدون والمتعبون من شقاء الأيدي والأجسام، البعيدون عن ترف الفكر وتدبيج الخطب والكلام الجميل - يجدون العزاء فيما يقوله من أن احتقار اللذات هو أعظم لذة، وأن الطبيعة قد يسرت للناس كل سبل السعادة؛ إلا أنهم لجنونهم يختارون أن يعيشوا تعسين، وأن الحكيم يملك كل شيء، ولذلك فليس في حاجة لأن يملك شيئا بذاته، وأن الإنسان الحق لا ينتمي لوطن لأن العالم كله وطنه. وصحيح أيضا أن هؤلاء الفقراء قد سمعوا عن كبريائه إزاء الأغنياء البخلاء، لا بل عن رفضه - وهو الجائع العجوز المحروم - أن يأكل على مائدة الطاغية كراتيروس قائلا إنه يفضل أن يعيش على حبات الملح من أن يتمتع بطعامه الفخم.

كما استمعوا بإعجاب لا حد له لما قاله حين سئل: إن كان قد تعلم من الفلسفة شيئا؛ فأجاب بأنه قد تعلم أن يرتفع فوق كل الحظوظ والأقدار، غير أنهم مع هذا العطف والإشفاق كله لم يستطيعوا على كل حال أن يقتنعوا بأنه إنسان مثلهم أو مثل غيرهم من الناس!

صحيح أن كلماته الحكيمة قد أعجبتهم ولمست قلوبهم، فسماه بعضهم كلب السماء، أو «الكلب الإلهي»؛ ولكنه ظل في أعينهم بالرغم من كل شيء الكلب المسكين المشهور. لقد رأوا أن كلبيته كانت تحمل في ذاتها دليلا صامتا على وقوفه في صفوف الفقراء والمظلومين واحتجاجا - من نوع دنيء بالطبع - على غنى الأغنياء وطغيان الطغاة، سمعوه يقول مرة: إن من المستحيل على المجتمع أن يحيا بلا قانون. فأدركوا ولو من بعيد أنه يدين القهر والعسف الذي يعانونه، كما أعجبوا به حين رأوه ذات يوم وهو يهتف بأحد الكهنة وكان يسوق أمامه رجلا سرق إناء من آنية معبد زيوس: انظروا؛ إن اللصوص الكبار يسوقون اللص الصغير!

كما فرحوا في أكواخهم وبيوتهم القذرة في أطراف المدينة حين سمعوا أنه قال لمن لامه على أنه يؤم الأماكن القذرة: إن الشمس أيضا تزور المستنقعات، دون أن تدنس نورها.

ربما يكون عطف الناس عليه قد زاد قليلا مع ازدياد ضعفه وشيخوخته، وربما يكون اسمه الجديد «كلب السماء» أو «كلب الآلهة» الذي أطلقه عليه الفقراء والطيبون قد أرضاه؛ ولكنه مع ذلك ظل شحاذا جائعا شريدا، إنه يسأل فيمنع عنه الناس أيديهم، ويزور موائد الأغنياء فيلقون إليه بالعظام وهم يضحكون، ويرى الشحاذين يسألون ويعطيهم الناس، فيذهب إلى أحد التماثيل المنصوبة في وسط المدينة، ويمد يديه إليه ويقول لمن يسأله عن سبب ذلك: «لكي أعود نفسي رفض الناس!»

وقد تحتم عليه حقا أن يتعود رفض الناس وبخلهم، ولم تنفعه حكمته التي يرسلها في الشوارع والأسواق دون أن يعبأ بتدوينها، ولم يشبع جوعه أن يتطفل عليه الفقراء مشفقين عليه حينا، ضاحكين عليه في معظم الأحيان؛ فالأغنياء والحكام مشغولون عنه بالاستماع إلى سقراط وأفلاطون ومشاهير الخطباء والمجادلين.

صحيح أنه كان مع ذلك لا يعدم من يتصدق عليه بكسرة خبز أو قطعة لحم؛ ولكن جوع المعدة لم يكن في الحقيقة هو مشكلته، إنه يستمتع حقا بحب الكثيرين من الأثينيين وعطفهم عليه؛ ولكنهم يسألونه الآن: ما أتعس شيء في الحياة؟ فيقول لهم: عجوز وحيد. وهم يبدون استعدادهم كلما كسر برميله أن يهدوا له برميلا آخر، وربما عرض بعضهم عليه أن يقيم في بيته ويريحه من الجولان وحده في شوارع المدينة؛ ولكن ماذا يجديه هذا كله؟ هل استطاع أحد أن يستمع إليه بحق؟ هل قدر أحد أنه ليس شحاذا كسائر الشحاذين؟ بل هو شحاذ فيلسوف أو فيلسوف شحاذ، يتصدق عليهم بالمعرفة والحكمة مقابل لقم قليلة؟ هل أدركوا أخيرا أنه جعل من نفسه كلبا لكي يفهموا أنهم هم الكلاب؟ هل عرفوا حقا أن حرصهم على الغنى والشرف والشهرة والأصل واللذة تجعلهم كلابا آدميين، على حين أن الفلسفة - أي محبة الجمال والخير والحق - هي التي تحفظ الإنسان من أن يصبح كلبا؟

لا، لم يفهموا ولم يعرفوا ولم يروا شيئا، وها هو ذا - كما يقول - ما يزال في نهاية عمره كما كان في بدايته شريدا بلا وطن ولا بيت، ميتا في بلده، طريدا يبحث عن خبز يومه! ربما كان هذا هو الذي دفعه ذات يوم عجيب إلى قمة اليأس، وجعله يقوم بتلك الحادثة التي قلت لكم إنها أشهر وأهم من لقائه المشهور مع الإسكندر.

وربما استطعتم أن تشكوا بحق في أمر ذلك اللقاء الخرافي؛ ولكنكم فيما أعتقد لن تشكوا في أمر هذه الحادثة.

ناپیژندل شوی مخ