وكان قد تمكن إبراهيم باشا من البلاد الشامية وقهر الناس واستباح الحرام، وفعل جميع الموبقات والآثام، فلم يبق شيء من القبائح في زمنه إلا وقد فعل بدون إنكار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان قد وضع بعد إحصاء أهل المدن والقرى في دفتر على كل فرد من البالغين منهم مالًا أقله خمسة عشر قرشًا وأكثره خمسماية قرش، تؤخذ منه في كل سنة، كما وضع ذلك من قبل على أهل مصر واستولى العسكر على أكثر المساجد والمدارس والتكايا، ومنعوا المصلين من دخولها وجعلوها لسكناهم ولدوابهم، وذلك سنة تسع وأربعين، فكان ذلك سببًا لضياع أوقافها وخرابها، وقدم العيسوية على المحمدية، وأذل أهل الشرف والعلم وذوي الاحترام، وأعز الأسافل والطغاة على الإسلام، ثم بعد رجوعه من البلاد الرومية، لا زال يدور في البلاد الشامية، حتى وصل في أواخر سنة تسع وأربعين إلى القدس الشريف في أيام الموسم، فوقعت هناك فتنة بين العيسوية تلف منها خلق كثير، وفي سنة ألف ومايتين وخمسين اشتغل بإدخال من وقع في أيديهم من الناس في العسكرية، فهرب الناس وتشتت أمرهم وكثر البكاء والنحيب وتوقفت الأشغال والمصالح، وطلب من جبل نابلس إجراء ذلك عليهم، فخرجوا عن الطاعة وحصروا إبراهيم باشا في القدس، واجتمع منهم خلق كثير ولا زالوا محاصرين له نحو شهرين، وكان رئيسهم الشيخ قاسم الأحمد، فلما ضاق به الحصار وأيقن بالهلاك والدمار أرسل إلى قاسم الأحمد كتابة تلطيف مصحوبة بمال جسيم، ووعده بالالتفات والتقديم، وأنه لا يأخذ منهم عسكرًا ولا مالًا، وأنه يوسعهم نعمة ونوالًا، فرضي القاسم الأحمد لقلة عقله، وسوء رأيه وجهله، وفك عقدة الحصار والضيق، وتفرق الناس متمسكين بما جرى من العهود والمواثيق، فخرج إبراهيم باشا حتى وصل إلى يافا فوجد العساكر قد وصلت لنجدته، وتخليصه من نكبته، فنكص على عقبه في الحال، واشتغل بالقتل والنهب والحرق وسلب الأموال، فهرب
1 / 25