حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
7
أما من الناحية الأخلاقية، فإن المحاورة تلقي بعض الضوء على عقيدة الدولة في أثينا، وعلى مدى اختلاف آراء سقراط الأخلاقية عنها. ذلك هو الاختلاف بين الأخلاق المرتكزة على السلطة، وتلك التي ترجع إلى الأصول، ويصل سقراط إلى جوهر المسألة عندما يسأل عن إيضاح لتعريف أوطيفرون للمقدس بأنه ما توافق عليه الآلهة بالإجماع. فسقراط يريد أن يعرف إن كان الشيء مقدسا؛ لأن الآلهة توافق عليه، أم أن الآلهة توافق عليه؛ لأنه مقدس، وهذا السؤال هو في حقيقته نقد غير مباشر لموقف أوطيفرون من المشكلة.
فكل ما يهم أوطيفرون هو أن تكون الآلهة قد أصدرت أمرا بضرورة عمل شيء، وقد كان المعنى الفعلي لذلك، في إطار المجتمع الأثيني الذي كانت توجد فيه عقيدة رسمية للدولة، هو أن أوامر هيئة الكهنوت ينبغي إطاعتها على ما هي عليه. ومن الغريب حقا أن سقراط كان يوافق على ذلك في ممارساته السياسية، ولكنه وجد نفسه في الوقت ذاته مضطرا إلى طرح السؤال الأخلاقي عن نشاط الدولة ذاتها، وهي نقلة لا يمكن حدوثها، ولا ينبغي حدوثها في نظر كل من هو على شاكلة أوطيفرون في عالمنا هذا. ويؤدي هذا على الفور إلى المشكلة القديمة العهد، مشكلة الولاء المنقسم أو الموزع، التي كانت كما قلنا من قبل من المحاور الأساسية للدراما اليونانية.
ومما يدل على أن هذه المشكلة ليست على الإطلاق مسألة عتيقة انتهى عهدها؛ أن مشكلة القانون والعدالة ما زالت قائمة بيننا على الدوام ، فما هي العلاقة بين الاثنين؟ وما الذي ينبغي علينا أن نفعله حين يطلب إلينا أن نطيع قانونا نجده ظالما؟ إن هذا السؤال يكتسب حيوية هائلة عندما تهدد الطاعة العمياء لساستنا المسيطرين بإلقاء العالم في أتون دمار شامل لا يبقي ولا يذر.
إن الاختلاف بين أوطيفرون وسقراط ينحصر آخر الأمر في أن الأول ينظر إلى القانون على أنه شيء ثابت، على حين أن رأي سقراط ينطوي على القول بأن القانون قابل للتغيير، وهنا يبدو سقراط أقرب إلى أن يكون تجريبيا في نظريته الاجتماعية، وإن لم يكن قد صرح بذلك بعبارات واضحة. ومن هنا يجد لزاما عليه أن يتساءل عما إذا كانت بعض الممارسات قيمة أم شريرة، أيا كان من أمرنا بها، ولا بد أنه قد عرف أن هذا السؤال سيعرضه لانتقام الدولة واضطهادها، بل إنه ليبدو أن هذا هو المصير المألوف لأولئك المفكرين المتمردين الذين يزعزعون جذور المعتقدات الراسخة، فحتى لو كان الدافع إلى سلوكهم نزيها، وهو تقويم الأخطاء التي ارتكبت في حق الآخرين، فإن العداء الذي يوجه إليهم يظل على ما هو عليه.
وفي محاورة «كريتون» يعرض سقراط موقفه من قانون أثينا، وهو في هذه المحاورة يرفض الهرب والتخلص من الحكم الذي أدين به، فعلى الرغم من أن القوانين ظالمة، ينبغي إطاعتها حتى لا تنهار مهابة حكم القانون، ولكنه لا يدرك أن هذا الانهيار قد يحدث بسبب هذا الظلم ذاته.
8
ولقد كان موقف سقراط غير المتسق إزاء المسائل المتعلقة بالسلطة هو الذي أدى به إلى نبذ الحل السهل الذي يتمثل في الهروب، وأدى به رفضه للحلول الوسطى إلى تضييق فرصة الاختيار أمام الادعاء، فأصبح بذلك شهيدا لحرية الفكر. وفي محاورة «فيدون» وهي من روائع الأدب الغربي، نجد وصفا لساعاته الأخيرة، فالمناقشة تدور في المحاورة حول محاولة ثبات خلود النفس، وهو موضع لا نحتاج هنا إلى الدخول في تفاصيل الحجج المقدمة فيه، لا سيما وأنها ليست حججا قوية، وإن كانت تثير أسئلة هامة عن مشكلة العلاقة بين العقل والجسم. وقرب نهاية المحاورة تصل المناقشة إلى نقطة لا يعود فيها أي شخص على استعداد لإثارة المزيد من الاعتراضات، ولا يمكن أن يكون قد غاب عن أذهان الفيثاغوريين المشاركين في المحاورة أن من الممكن إثارة صعوبات جديدة. ولكن يبدو أن الطابع المشئوم للحادث، مصحوبا بالشعور بالشفقة، جعل أصدقاء سقراط يمتنعون عن إثارة شكوك قاطعة في وجه استنتاجاته، أما الجزء الذي قد يكون هو الأهم فلسفيا في المحاورة فهو وصف طريقة الفرض والاستنباط، التي هي دعامة كل برهان علمي.
يشرح سقراط هذا الموضوع عندما يخيم على الجماعة شعور بعدم الارتياح، نظرا إلى أن المناقشة قد واجهت صعوبات كأداء، وهنا يحذر رفاقه من فقدان الثقة في النقاش ورفضه كلية، وبعد قليل ينتقل إلى تقديم عرض محدد لطريقته.
ولا بد لنا من أن نبدأ بفرض ما؛ فمن الواجب أن نضع الأساس الذي سوف نبني عليه المناقشة. ومن الفرض نستنبط النتائج التي تلزم عنه، ونرى إن كانت تتفق مع الوقائع، وهذا ما كانت تعنيه في الأصل عبارة المحافظة على المظاهر،
ناپیژندل شوی مخ