حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
فلا وجود لهذا التمييز، ومن هنا كانت ضرورة هذا الاستطراد.
لقد تساءل الكثيرون: هل كانت النظرية الذرية عند اليونانيين مبنية على الملاحظة، أم أنها كانت مجرد رمية من غير رام، ولم يكن لها أساس سوى التأمل الفلسفي؟ والجواب عن هذا السؤال ليس على الإطلاق بالبساطة التي قد يبدو عليها؛ فأولا يتضح مما قيل أن النظرية الذرية هي الحل الوسط الوحيد المعقول بين موقف الإنسان العادي وبين النظرية الإيلية؛ إذ كانت هذه النظرية الأخيرة نقدا منطقيا للمذهب المادي السابق. ومن جهة أخرى فقد كان ليوقبوس ملطيا، وكان على إلمام واسع بنظريات مواطنيه الكبار الذين سبقوه في الظهور، وتشهد على ذلك آراؤه في الكونيات؛ إذ إنه عاد إلى الآراء السابقة التي قال بها أنكسيمندر، بدلا من أن يسير في طريق الفيثاغوريين.
ومن الواضح أن نظرية أناكسيمنيس في التكاثف والتخلخل قد بنيت، إلى حد ما، على ملاحظة ظواهر مثل تكثف الأبخرة على الأسطح الملساء. وهكذا فإن المشكلة كانت تكمن في إدماج النقد الإيلي في نظرية عن الجزيئات. أما مسألة اتصاف الذرات بالحركة الدائمة، فمن الممكن أن يكون قد استوحاها من هذه الملاحظة ذاتها، أو من تراقص الغبار في شعاع من الضوء. وعلى أية حال فإن نظرية أناكسيمنيس لا يمكن تطبيقها بالفعل إلا إذا تصورنا مجموعات من الجزئيات متفاوتة في درجة الكثافة التي تتجمع بها، وهكذا فليس من الصحيح قطعا أن المذهب الذري اليوناني كان مجرد تخمين موفق، ولنذكر أنه عندما قام الكيميائي
Dalton
بإعادة إحياء النظرية الذرية في العصر الحديث، كان على وعي بالآراء اليونانية في الموضوع، ووجد أن هذه الآراء تقدم تفسيرا لملاحظته بشأن النسب الثابتة التي تتجمع بها المادة الكيميائية.
غير أن هناك سببا أعمق لقولنا إن النظرية الذرية لم تكن كشفا عشوائيا. هذا السبب يتعلق بالبناء المنطقي للتفسير ذاته؛ إذ ما معنى تفسيرنا لشيء ما؟ إنه بيان للطريقة التي يكون بها ما يحدث، نتيجة لتشكيل متغير لأشياء. فإذا ما أردنا تفسير تغير في شيء مادي، وجب علينا أن نفعل ذلك بالإشارة إلى الترتيبات المتغيرة لمكونات فرضية تظل هي ذاتها بغير تفسير. وهكذا فإن القوة التفسيرية للذرة تظل سليمة ما دامت الذرة ذاتها لا تتخذ موضوعا للبحث. ولكن بمجرد أن يحدث ذلك تصبح الذرة موضوعا للبحث التجريبي، وتصبح العناصر التفسيرية هي الجزئيات الأصغر من الذرة، التي تظل بدورها بلا تفسير. وقد أسهب الفيلسوف الفرنسي إميل مايرسون
E. Meyerson
في مناقشة هذا الوجه من أوجه النظرية الذرية. وهكذا فإن النظرية الذرية تتفق مع بناء التفسير السببي.
ولقد أدخلت تطورات هامة على النظرية الذرية على يد ديمقريطس
Democritus
ناپیژندل شوی مخ