حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
هذا النوع من الحجج الذي يمكن تكراره مرة تلو الأخرى، يسمى بالتسلسل الشيء ما لا نهاية
Infinite Regress ، وهو لا يؤدي دائما الشيء تناقض، بل إن أحدا لا يستطيع في أيامنا هذه أن يعترض على الرأي القائل إن كل مكان هو جزء من مكان أكبر. أما في حالة زينون فإن التناقض يظهر لمجرد أنه يسلم بأن «ما هو موجود» لا متناه، فتكون النتيجة هي أن يواجه ما يسمى بتسلسل الشيء ما لا نهاية يستحيل أن نجد منه مخرجا.
هذا النوع من الحجج التسلسلية التي يستحيل الخروج منها هو في الواقع شكل من أشكال برهان الخلف. وما تثبته هذه الحجج هو أن أساس الحجة يتناقض مع قضية أخرى معينة نسلم بأنها صحيحة.
على أن أشهر حجج زينون هي مفارقات الحركة الأربع، وعلى رأسها حكاية أخيل والسلحفاة. وهنا أيضا نجده يدافع عن بارمنيدس بطريقة غير مباشرة، ويلقي عبء الرد على الفيثاغوريين الذين يتعين عليهم أن يقدموا شيئا أفضل ما دامت نظريتهم تعجز عن إيجاد تفسير للحركة بدورها. وتقول الحجة إنه لو تسابق أخيل والسلحفاة في سباق تتابع فمن المستحيل أن يلحق أخيل بمنافسته. فلو فرضنا أن السلحفاة بدأت تسير مسافة ما في المضمار، فإنه في الوقت الذي يجري فيه أخيل حتى يصل الشيء النقطة التي بدأت منها السلحفاة، تكون هذه قد تحركت مسافة ما الشيء الأمام. وحين يجري أخيل الشيء هذا الموقع الجديد تكون السلحفاة قد انتقلت الشيء نقطة أبعد قليلا. وهكذا ففي كل مرة يصل فيها أخيل الشيء موقع السلحفاة السابق، تكون هذه المسكينة قد تحركت بعيدا. صحيح أن أخيل يقترب منها أكثر فأكثر، ولكنه لن يلحقها أبدا.
وعلينا أن نتذكر أن هذه الحجة موجهة ضد الفيثاغوريين، ومن ثم فإنه يتبنى موقفهما وينظر إلى الخط على أنه مؤلف من وحدات أو نقط؛ لذلك فإن النتيجة إنما تريد أن تقول إنه مهما كان بطء حركة السلحفاة، فلا بد أن تقطع مسافة لا متناهية قبل أن تجري السباق. فتلك إذن صورة أخرى للحجة القائلة إن الأشياء لا نهائية في حجمها، وبرغم أنه ليس من الصعب أن نبين وجه الخطأ في تلك النتيجة، فلا بد أن يكون واضحا تماما أن الحجة لا تشوبها أية شائبة من حيث هي رد على النظريات الفيثاغورية المتعلقة بالوحدة. والطريقة الوحيدة لتبيان الخطأ في تلك النتيجة، إنما تكون عن طريق وضع نظرية في السلاسل اللامتناهية بعد التخلي عن هذه النظرة إلى الوحدة. فإذا كانت لدينا مثلا سلسلة تتألف من حدود تتناقص بنسبة ثابتة، كما هي الحال في أطوال المراحل المتعاقبة للسباق، فإننا نستطيع أن نحسب في أي موضع سيلحق أخيل بالسلحفاة، ويعرف مجموع هذه السلسلة بأنه عدد لن يزيد عنه أبدا مجموع أي عدد من الحدود، مهما كان مقداره، ولكن مجموع عدد كبير بما فيه الكفاية من الحدود يقترب منه إلى أي مدى نشاء. أما مسألة أن هذا العدد ينبغي أن يكون واحدا، وواحدا فقط بالنسبة إلى أية سلسلة معينة، فيجب أن نقررها هنا دون برهان. ويوصف نوع السلاسل المتضمن في السباق بأنه سلسلة هندسية، وهو موضوع يستطيع أي شخص لديه إلمام بأوليات الرياضة في أيامنا هذه أن يعالجه، ولكن ينبغي أن نذكر أن العمل النقدي الذي قام به زينون هو بعينه الذي جعل من الممكن وضع نظرية سليمة في الحكم المتصل، ترتكز عليها تلك المجموعات التي تبدو لنا اليوم أشبه بلعب الأطفال.
وهناك حجة أخرى تنطوي على مفارقة، وتسمى أحيانا بحجة «حلبة السباق»، تكشف عن الجانب الآخر للهجوم الديالكتيكي. وتقول الحجة إن المرء لا يستطيع أبدا أن يعبر حلبة السباق من أحد طرفيها إلى الآخر؛ لأن هذا يعني أن عليه عبور عدد لا نهائي من النقاط في زمن متناه. أو بعبارة أدق فقبل الوصول إلى نقطة لا بد أن يعبر نصف المسافة الموصلة إليها، ثم نصف النصف، وهكذا إلى ما لا نهاية. وإذن فليس في وسع المرء أن يبدأ الحركة على الإطلاق. وهذه الحجة مقرونة بحجة أخيل والسلحفاة التي تبين أن المرء ما إن يبدأ حتى يستحيل أن يتوقف ، تهدم الفرض القائل إن الخط المستقيم يتألف من وحدات كثيرة إلى حد لا متناه.
ويقدم زينون حجتين أخريين لكي يثبت أن الافتراض القائل بأنه لا يوجد إلا عدد متناه من الوحدات في الخط الواحد لن يؤدي إلى أصل الوضع. فلنأخذ أولا ثلاثة خطوط متوازية ومتساوية، تتألف من نفس العدد المتناهي من الوحدات، ولنفرض أن واحدا منها ساكن، والآخران متحركان في اتجاهين متضادين بسرعة متساوية، بحيث يقع الثلاثة كل بحذاء الآخر عندما يمر الخطان المتحركان أمام الخط الساكن. هنا نجد أن السرعة النسبية للخطين المتحركين هي ضعف السرعة النسبية لكل منهما بالقياس إلى الخط الساكن. وتعتمد الحجة بعد ذلك على افتراض آخر بأن هناك وحدات زمانية مثلما أن هناك وحدات مكانية. وعلى ذلك فإن السرعة تقاس بعدد النقاط التي تتحرك عبر نقطة محددة خلال عدد محدد من اللحظات؛ ففي الوقت الذي يمر فيه أحد الخطين المستقيمين بنصف طول الخط الساكن، يمر بالطول الكامل للخط المتحرك. ومن هنا فإن الزمن الأخير ضعف الأول، ولكن لكي يصل الخطان إلى موقعهما بمحاذاة كل منهما فإنهما يستغرقان زمنا واحدا، وهكذا يبدو أن الخطين المتحركين يتحركان بضعف السرعة التي يتحركان بها، وبالطبع فإن الحجة معقدة إلى حد ما؛ لأننا لا نفكر عادة على أساس لحظات بقدر ما نفكر على أساس مسافات، ولكنها تمثل نقدا سليما تماما لنظرية الوحدات.
وأخيرا، فهناك حجة السهم؛ ففي أية لحظة يحتل السهم الطائر، وأخيرا مساويا لذاته، ومن ثم فهو ساكن. وإذن فهو على الدوام ساكن، وهذا يثبت أن الحركة لا تستطيع حتى أن تبدأ، على حين أن الحجة السابقة أثبتت أن الحركة أسرع دائما مما هي. وهكذا فإن زينون إذ هدم النظرية الفيثاغورية في الكم المنفصل على هذا النحو، قد أرسى دعائم نظرية في الكم المتصل. وهذا بعينه هو ما نحتاج إليه من أجل الدفاع عن نظرية بارمنيدس في الفلك الكري المتصل.
أما الفيلسوف الإيلي المشهور الآخر فهو مليسوس
Melissus
ناپیژندل شوی مخ