حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
ژانرونه
الذين كانت كل فئة منهم تتمسك بتعاليم كتبها المقدسة الخاصة.
ولم يكن العرب في البدء يعتزمون القيام بفتوحات منظمة؛ إذ إنهم كانوا يقومون بغارات على الحدود يحصلون منها على غنائم تعوضهم عن فقر أراضيهم وجدبها، ولكن ضعف المقاومة أحال المغيرين إلى فاتحين. وفي حالات كثيرة ظلت إدارة الأقاليم الجديدة على ما هي عليه في ظل السادة الجدد. وكان يحكم الإمبراطورية العربية خلفاء، والمقصود بهم خلفاء الرسول وورثة سلطته.
وسرعان ما تحولت الخلافة، بعد أن كانت قائمة في البدء على الانتخاب، إلى ملك وراثي في عصر الأمويين، الذين حكموا حتى عام 750م. وقد اتبعت هذه الأسرة الحاكمة تعاليم النبي لأسباب سياسية أكثر منها دينية، وكانت تعارض التعصب. والواقع أن الدوافع الدينية عند العرب على وجه الإجمال لم تكن متطرفة، وظلت الدوافع المادية
2
تلعب دورا هاما في توسعهم. وقد ساعدهم هذا الافتقار إلى التطرف الديني ذاته على أن يحكموا رغم قلة عددهم مناطق شاسعة تسكنها شعوب ذات حضارة أعرق، وعقائد مخالفة، على أن تعاليم النبي حلت في بلاد الفرس في بيئة كانت مهيأة تماما لها بفضل التقاليد الدينية والفكرية الماضية.
وبعد موت علي ابن عم الرسول في عام 661م انقسم المؤمنون إلى سنة وشيعة، وكانت الطائفة الأخيرة أقلية تدين بالولاء لعلي، ولا تقبل بحكم الأمويين. وإلى هذه الأقلية كان ينتمي الفرس الذين كان تأثيرهم هو العامل الأكبر في إزاحة الأسرة الأموية، وحلول الأسرة العباسية محلها، وانتقال العاصمة على أيدي العباسيين من دمشق إلى بغداد. وكانت سياسة هذه الأسرة الجديدة تقدم مزيدا من الحرية للطوائف المتعصبة في الإسلام، غير أن العباسيين فقدوا أسبانيا (الأندلس)، حيث أقيمت في مدينة قرطبة خلافة مستقلة أنشأها الأمير الأموي الوحيد الذي عاش بعد انهيار جماعته، وقد بلغت الإمبراطورية في عهد العباسيين شأوا كبيرا من العظمة، وخاصة في عهد هارون الرشيد معاصر شرلمان، الذي اشتهر بفضل أساطير «ألف ليلة وليلة». وبعد موته في عام 809م بدأت الإمبراطورية تعاني من استخدام المرتزقة الأتراك على نطاق واسع، مثلما سبق أن عانت روما من استخدام الجنود البرابرة. وقد تدهورت الخلافة العباسية وسقطت عندما اجتاح المغول بغداد وخربوها في 1256م.
أما الثقافة الإسلامية فقد بدأ ظهورها في الشام، ثم تركزت في بلاد الفرس والأندلس. ففي الشام ورث العرب التراث الأرسطي الذي كان يتمسك به النساطرة، في الوقت الذي كانت فيه الكاثوليكية التقليدية تدين بالتعاليم الأفلاطونية الجديدة. غير أنه حدث خلط كثير نتيجة لامتزاج النظريات الأرسطية بنوع من التأثير الأفلاطوني الجديد، وفي بلاد الفرس عرف المسلمون الرياضيات الهندية، وأدخلوا الأرقام العربية التي ينبغي في الواقع أن تسمى هندية. وقد أنتجت حضارة الفرس شعراء كالفردوسي، وحافظت على مقاييسها الفنية الرفيعة، على الرغم من الغزو المغولي في القرن الثالث عشر.
كذلك انتشر التراث النسطوري، الذي اتصل العرب عن طريقه لأول مرة بالمعرفة اليونانية في بلاد الفرس في مرحلة مبكرة، بعد أن كان الإمبراطور البيزنطي زينون قد أغلق المدرسة الموجودة في إديسا
Edessa
عام 481م، ومن هذين المصدرين تعلم المسلمون ما عرفوه عن منطق أرسطو وفلسفته، فضلا عن التراث العلمي للقدماء، وكان أعظم الفلاسفة المسلمين في بلاد الفرس هو ابن سينا (980-1537م)، الذي ولد في ولاية بخارى، وأصبح بعد ذلك يعلم الفلسفة والطب في أصفهان، واستقر به المطاف في طهران. وقد كان ابن سينا يعشق الحياة المترفة، وجلب على نفسه عداء رجال الدين بسبب آرائه الخارجة عن المألوف؛ ولذا مارست أعماله تأثيرها الأكبر في الغرب عن طريق ترجماتها اللاتينية. ولقد كان من اهتماماته الرئيسية في الفلسفة، تلك المشكلة القديمة العهد، مشكلة الكليات التي أصبحت فيما بعد مسألة رئيسية في الفلسفة المدرسية الغربية. وكان الحل الذي أتى به ابن سينا محاولة للتوفيق بين أفلاطون وأرسطو؛ فهو يبدأ بالقول إن عمومية الصور تتولد بالفكر، وهو رأي أرسطي ردده ابن رشد، ومن بعده ألبرتوس الأكبر، معلم توما الأكويني، ولكن ابن سينا يضع لهذا الرأي شروطا؛ فالكليات تأتي في الآن نفسه قبل الأشياء وفيها وبعدها. فهي تأتي قبلها في العقل الإلهي عندما يخلق الأشياء وفقا لصورة معينة، وتأتي في الأشياء بقدر ما تنتمي إلى العالم الخارجي، وتأتي بعد الأشياء في الفكر البشري، الذي يدرك الصورة عن طريق التجربة.
ناپیژندل شوی مخ